Page 29 - LEGAL CULTURE
P. 29
لتلويثها بدأ أول الأمر محدودا ،ثم تزايد حدة بمرور
الزمن ،وصار بالتالى محفو ًفا بمخاطر لا يستهان بها
تنال من المصالح الحيوية لأجيال متعاقبة بتهديدها
لأهم مصادر وجودها ،وعلى الأخص مع تراجع الوعى الرقابة القضائية على
القومى ،وإيثار بعض الأفراد لمصالحهم وتقديمها على دستورية القوانين أهم
ما سواها .وقد كان للصناعة كذلك مخرجاتها من المواد مبتكرات العلم الدستورى
العضوية الضارة التى تتعاظم تركيزاتها أحيا ًنا ليكون لحماية الدساتير ،ولحماية
تسربها إلى المياه وكائناتها الحية ،هاد ًما لخصائصها الحقوق والحريات التى
.وكان لغيرها من الأماكن مخلفاتها أي ًضا السائلة منها تحتويها الدساتير ،و لحماية
والصلبة والغازية التى تزايد حجمها وخطرها تبعا لتطور كيان الدولة وسلطاتها التى
العمران تطوراً كبيراً ومفاجئًا ،بل وعشوائيا فى معظم تنتظمها أحكام الدساتير.
الأحيان .واقترن ذلك بإهمال التقيد بالضوابط والمعايير و الحماية الدستورية
التى تجعل صرفها فى تلك الموارد المائية على اختلافها
مأمونا أو على الأقـل محدود الأثـر ،وكذلك بقصور
التدابير اللازمة لرصد مصادر تلوثها والسيطرة عليها
أو لمكافحتها بعد وقوعها .
وحيث إن الحق فى التنمية – وعلى ما تنص عليه
المادة الأولى من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية
– وثيق الصلة بالحق فى الحياة ،وكذلك فى بناء قاعدة
اقتصادية تتوافر أسبابها ،وعلى الأخص من خلال
اعتماد الدول – كل منها فى نطاقها الإقليمى – على
مواردها الطبيعية ليكون الانتفاع بها ح ًقا مقصورًا على
أصحابها .وقد أكد الإعلان الصادر فى 1986/12/4
عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شأن التنمية
128/41أهميتها بوصفها من الحقوق الإنسانية التى لا
يجوز النزول عنها ،وأن كل فرد ينبغى أن يكون مشاركا
إيجابيا فيها ،باعتباره محورها ،وإليه يرتد عائدها،
وأن مسئولية الدول فى شأنها مسئولية أولية تقتضيها
أن تتعاون مع بعضها البعض من أجل ضمانها وإنهاء
معوقاتها ،وأن نتخذ التدابير الوطنية والدولية التى تيسر
الطريق إلى التنمية بما يكفل الأوضاع الأفضل للنهوض
الكامل بمتطلباتها ،وعليها أن تعمل – فى هذا الإطار
– على أن تقيم نظاماً اقتصادياً دولياً جديداً يؤسس
على تكافؤ الدول فى سيادتها وتداخل علائقها وتبادل
مصالحها وتعاونها .وهذه التنمية هى التى قرر المؤتمر
الدولى لحقوق الإنسان المنعقد فى فيينا خلال الفترة
من 14إلى 25يونيو 1993ارتباطها بالديموقراطية،
ويصون حقوق الإنسان واحترامها ،وأنها جميعا تتبادل
التأثير فيما بينها ،ذلك أن الديموقراطية أساسها إرادة
الحرة التى تعبر الأمم من خلالها عن خياراتها لنظمها
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،وإسهامها
المتكامل فى مظاهر حياتها على اختلافها .كذلك فإن
يناير 2024 استيفاء التنمية لمتطلباتها – واعتبارها جزءا لا يتجزأ للحد الأدنى من الشروط الصحية للمواطنين جمي ًعا، التناســـــب بين الأهـداف التى يتوخاها والوسائل
من حقوق الإنسان لا يقبل تعديلاً أو تحويلاً – ينبغى وارتكا ًنا لوسائل علمية تؤمن للمياه نوعيتها ،وتطرح التى ينتهجها .
الصور الجديدة لاستخداماتها لتعم فائدتها وإذا كان
أن يكون إنصافاً لكل الأجيال ،لتقابل احتياجاتها البيئية تراكم الثروة يقتضى جهدا وعقلاً واع ًيا ،فإن صون مراعاة القيود الموضوعية التى وضعها الدستور
والتنموية ،وعلى تقدير أن الحق فى الحياة ،وكذلك الموارد المائية من ملوثاتها ،يعتبر مفتر ًضا أول ًيا لكل لكل حق أو حرية .
عمل يتوخى التنمية الأشمل والأعمق بيد أن اتجاها
صحة كل إنسان ،يتعرضان لأفدح المخاطر من جراء قيام مراعاة العدالة فى التشريع .
أحكام المحكمة الدستورية مراعاة أن يكون التنظيم فى إطار من المساواة وتكافؤ
البعض بالإغراق غير المشروع لمواد سمية أو لجواهر العليا ليست كسائر الأحكام
الأخرى ،لا فى إلزاميتها ،ولا فى الفرص .
خطرة ،أو لفضلاتهم ونفاياتهم ومن ثم يدعو المؤتمر حجيتها المطلقة ،ولا فى أثرها سلطة المشرع فى وضع القرائن القانونية فى غير
الرجعى فأحكام المحكمة
الدول جميعها فيما بينها من أجل مجابهة هذا الإغراق الدستورية العليا تلزم الجميع، المجال الجنائى .
والجميع هنا ينصرف إلى كافة سلطة المشرع فى تغيير الأحكام بتغير الزمان .
غير المشروع ،وأن تقبل التقيد بكل معاهدة دولية معمول سلطات الدولة وإلى الأفراد،
حجيتها تسرى فى مواجهتهم حقوق الجيل الثالث:
بها فى هذا المجال ،وتنفيذها تنفيذاً صارماً . جميعًا فهى حجية مطلقة، نختم ه ذه الإطلالة بالإشارة إلى أنه حقوق
هذه ومضات خاطفة مما أوردته المحكمة الدستورية يستفيد منها كل من يخاطبه الجيل الثالث من أجيال حقوق الإنسان لم تكن بعيدة
النص سواء أكان ممثل ًا فى عن الحماية الدستورية من جانب المحكمة الدستورية
العليا فى أحكامها حماية لحقوق الإنسان وحرياته، الدعوى الدستورية أم غير ممثل العليا فقد أشـارت إلى الحق فى التنمية والحق فى
بيئة نظيفة فقد أوردت « حيث إن التطور الإيجابى
ومازالت المحكمة ـــ وستظل بإذن الله ـــ قائمة على للتنمية ،لايتحقق بمجرد توافر الموارد الطبيعية على
اختلافها ،بل يتعين أن نقترن وفرتها بالاستثمار الأفضل
مهمتها المقدسة صوناً للحريات ،كافلة للحقوق مسبغة لعناصرها ،وإذا كان الماء أغلى هذه المـوارد وأكثرها
عليها حماية بعيدة فى مداها ،ناجعة فى وسائلها، نف ًعا باعتباره نبض الحياة وقوامها ،فلا يجوز أن يبدد
إسرا ًفا ،فإن الحفاظ عليه قابلاً للاستخدام فى كل
يرتفع من خلالها صرح الوطن العزيز سامقاً لبنه فوق الأغراض التى يقبلها ،يغدو واجبا وطنيا ،بوجه خاص
لبنه ،ضارباً بجذوره فى الأعماق ،مطورة فى قضائها
بما يواكب العصر ،لا تنعزل أبداً عن واقعها مستجيبة
لحقائق العصر وأدواته آملة فى غد تكون فيه الشرعية
الدستورية عماداً لكل عمل بما يحقق آمال مواطنيها
ويرد عن حقوقهم كل عدوان مهما كان من أى جهة،
راعية مسئوليتها ومقدرة عواقبها ،متخذة العدل شرعة
ومنهاجاً .
فى كبرى مصادره ممثلاً فى النيل والترع المنتشرة فى
مصر ،ليس لإحياء الأرض وحدها أو إنمائها ،بل ضما ًنا 29