Page 27 - LEGAL CULTURE
P. 27

‫وسيلة فنية أخرى يقدمها العلم الدستورى إنما تتحقق‬                          ‫أثبت التاريخ والتجارب الدولية‬                        ‫من الشروط والضوابط التى تحد من كيفية ممارستها‪.‬‬
            ‫تدريج ًيا مع تأصل روح الحرية واحترام القانون لدى‬                          ‫المختلفة أن الضمان الحقيقى‬                           ‫والحق أو الحرية البعيدة عن الدستور تعتبر حرية عارية‬
            ‫الحكام والمحكومين على حد سواء‪ ،‬وحينئذ يبقى نظام‬                           ‫لحماية الدستور ولضمان‬                                ‫عن الغطاء أو الحماية إلى حد كبير‪.‬فإذا وقع اعتداء‬
            ‫الرقابة وسيلة احتياطية أو رمزية تعالج الحالات الشاذة‬                      ‫الشرعية وتدعيم سيادة‬
            ‫التى لم تفلح فى علاجها هذه الروح المتحررة الأصلية‪.‬‬                        ‫القانون‪ ،‬وجعله حقيقة واقعة‪،‬‬                            ‫على حق دستورى ظهر الجانب الآخر من الحماية‪.‬‬
            ‫خلاصة الأمر‪ :‬أن مفهوم الحماية الدستورية ينصرف‬                             ‫لا مبدأ نظرى فحسب يكمن‬                               ‫الحماية العلاجية‪ :‬حين يقع الاعتداء على الحق أو‬
            ‫إلى تلك الحماية التى يكفلها التنظيم الدستورى ذاته‪،‬‬                        ‫فى وجود رقابة فعالة على‬                              ‫على الحرية تتحرك الوسائل الفنية المخصصة لحماية‬
            ‫وكذلك الحماية التى يكفلها القاضى الدستورى حال‬                             ‫دستورية القوانين‪ ،‬رقابة جدية‬                         ‫الحقوق والحريات لرد هذا الاعتداء وخاصة إذا وقع‬
            ‫وقوع الاعتداء على الحقوق والحريات‪ ،‬و إذا كان وقوع‬                         ‫تقوم عليها جهة مستقلة‬
            ‫الاعتداء على الحقوق والحريات أمر لايمكن تجنبه‪ ،‬فهو‬                        ‫تتوافر فيها الضمانات الكافية‬                                    ‫هذا الاعتداء من جانب قانون أو لائحة‪.‬‬
            ‫باق ما بقى الصراع بين الفرد والمجتمع من ناحية‪ ،‬أو‬                         ‫بالإضافة إلى التخصص الفني‪.‬ولا‬                        ‫وفى مقدمة هذه الوسائل تأتى الرقابة القضائية على‬
            ‫الفرد والمجتمع و السلطة من ناحية أخرى‪ ،‬فإن أهمية‬                          ‫نعنى بذلك غير الرقابة القضائية‬                       ‫دستورية القوانين التى يترتب عليها إلغاء النص الذى‬
            ‫وجود الرقابة على دستورية القوانين تتأكد باعتبارها‬                                                                              ‫اعتدى على الحق أو الحرية أو على الأقل شل فاعليته‬
            ‫الوسيلة الفنية التى اخترعها الإنسان لحماية حقوقه و‬                     ‫الحماية الدستورية‪ ،‬بل نظام الرقابة على دستورية‬
            ‫حرياته حال الاعتداء عليها‪.‬وهى رقابة تفترض وجود‬                         ‫القوانين والتنظيم الدستورى فى جملته يصبح مجرد‬                                    ‫واستبعاده من التطبيق‪.‬‬
            ‫دستور‪ ،‬و الإيمـان بمبدأ المشروعية وسيادة القانون‬                       ‫أدوات شكلية لا أثر حقيقى لها فى الواقع مالم يكن‬         ‫ولاشك أننا لا نقصد أن الرقابة على الدستورية تفقد‬
                                                                                   ‫هذا كله فى إطار ترسيخ سيادة القانون وسريان روح‬          ‫كل دور لها فى حالة عدم وجود اعتداء‪ ،‬بل العكس ربما‬
                                     ‫ووجود القضاء المستقل‪.‬‬                         ‫الديمقراطية الحقيقية والشاملة فى وعـاء البنيان‬          ‫يكون فى وجودها الردع الكافى الذى يحول دون وقوع‬
             ‫دور المحكمــــة الدستوريــــة العليـــــا فــــى حمايــــة‬            ‫الدستورى والسياسى و الثقافى فى الدولة‪ ،‬وهو ما‬
                                                                                   ‫أكده الأستاذ الدكتور « أحمد كمال أبو المجد « فى رسالته‬                    ‫المخالفة أو الاعتداء من الأصل‪.‬‬
                          ‫حقـــــوق الإنســــان ‪:‬‬                                  ‫حين قال « إن رقابة القضاء على دستورية القوانين‬          ‫وقصر الحماية الدستورية على حالة وقوع اعتداء‬
            ‫كان للقضاء الدستورى المصري‪ ،‬ومن قبله القضاء‬                            ‫‪-‬بالغة مابلغت‪ -‬ليست إلا وسيلة وقائية أو علاجية‬          ‫فعلاً ‪ ،‬فيه تقويض لقيمة النصوص الدستورية التى تمنع‬
            ‫بجهتيه العادى والإدارى الدور الرائد فى حماية حقوق‬                      ‫لحماية الحقوق والحريات‪ ،‬أما الوسيلة الطبيعية الأصلية‬    ‫الاعتداء على الحرية الشخصية‪ ،‬والتمييز بين المواطنين‪،‬‬
            ‫الإنسان‪ ،‬وبصفة خاصة منذ إنشاء المحكمة الدستورية‬                        ‫لضمان هذه الحماية فإنها لا تتحقق بهذه الرقابة ولا بأية‬  ‫وفرض العمل جب ًرا عليهم‪ ،‬فكل هذه النصوص‪ ،‬وغيرها‬
            ‫العليا وحتى الآن‪ ،‬وحقوق الإنسان التى عرضت لها‬                                                                                  ‫من النصوص التى تحمى الحقوق والحريات‪ ،‬تعمل‬
            ‫المحكمة الدستورية العليا وبلورتها كثيرة ‪ .‬كثير منها‬                                                                            ‫وقد قصد بها ابتداء فرض حماية سابقة لمنع وقوع‬
            ‫تناولتها الدساتير المصرية بالتنظيم‪ ،‬وكثيرة أيضاً تلك‬                                                                           ‫الاعتداء‪ ،‬فإذا ما حدث ووقع الاعتداء على الحقوق‬
            ‫الحقوق التى لم تعرض لها الدساتير بالنص الصريح ومع‬                                                                              ‫والحريات بالمخالفة للحظر الوارد بشأنها أخذت الحماية‬
            ‫ذلك فقد أسبغت عليها المحكمة الحماية الدستورية ‪.‬‬                                                                                ‫صورة أخرى‪ ،‬وانتقلت من الجانب النظرى التقديرى‬
            ‫كيــــــــــف نهضــــــــــت المحكمــــــــة الدستوريــــــــــة‬                                                               ‫إلى الجانب العلاجى ذى الطابع العملي‪ ،‬ولاشك أن‬

‫يناير ‪2024‬‬                     ‫بالحقـــــــــــوق والحريــــــــــات؟ ‪:‬‬
            ‫لم يكن للمحكمة الدستورية وسيلة للنهوض بحقوق‬

                                     ‫الإنسان سوى أحكامها ‪.‬‬
            ‫وأحكام المحكمة الدستورية العليا ليست كسائر‬
            ‫الأحكام الأخـرى‪ ،‬لا فى إلزاميتها‪ ،‬ولا فى حجيتها‬
            ‫المطلقة‪ ،‬ولا فـى أثـرهـا الرجعى فأحكام المحكمة‬
            ‫الدستورية العليا تلزم الجميع‪ ،‬والجميع هنا ينصرف‬
            ‫إلى كافة سلطات الدولة وإلى الأفراد‪ ،‬حجيتها تسرى‬
            ‫فى مواجهتهم جميعاً فهى حجية مطلقة‪ ،‬يستفيد منها‬
            ‫كل من يخاطبه النص سواء أكان ممثلاً فى الدعوى‬
            ‫الدستورية أم غير ممثل ‪ .‬فالحجية عيني ٌة أحكامها‪ ،‬تعدم‬
            ‫النص الذى تقضى بعدم دستوريته بأثر رجعى يعد هو‬
            ‫والعدم سواء‪ ،‬كأنه لم يولد أصلاً خاصة إذا كان النص‬
            ‫المقضى بعدم دستوريته نص عقابى‪ ،‬أما فى الأحكام‬
            ‫التى تصدر بعدم دستورية نص غير عقابى فتسرى بأثر‬
            ‫رجعى أيضاً يستثنى من ذلك المراكز القانونية المستقرة‬
            ‫بحكم قضائى نهائى وذلك فيما عدا الأحكام الصادرة‬
            ‫بعدم دستورية نص ضريبى ‪ .‬تنشر أحكام المحكمة فى‬
            ‫الجريدة الرسمية حتى يعلمها الكافة ويحتج بها فى‬

                              ‫مواجهتهم‪ ،‬كما سبق أن أشرنا ‪.‬‬
            ‫كيـــــــف حــــــــددت المحكمـــة الدستوريـــــــــة العليـــــــــا‬

                              ‫مضامــــــــين حقـــــوق الإنسـان؟ ‪:‬‬
            ‫من الأهمية الكبرى التعرف على المعايير والمقاييس‬
            ‫التى حـددت من خلالها المحكمة الدستورية العليا‬
            ‫مضامين الحقوق وأطر الحريات‪ ،‬هل حددتها وفقاً‬
            ‫للمعايير المحلية أم تجاوزت نظرتها هذه الآفاق الضيقة ؟‬

                       ‫عالميــــــــــة حقــــــــــــوق الإنســــــــــــــان ‪:‬‬
            ‫لم تعترف المحكمة الدستورية العليا فى يوم ما بنظرية‬
            ‫الخطوط الحمراء التى لا يجوز تجاوزها‪ ،‬ولا بحواجز‬
            ‫لا يجوز تخطيها‪ ،‬واتجهت فى تحديد مضامين حقوق‬
            ‫الإنسان وحرياته‪ ،‬إلى رد المسائل المتنازع حولها إلى‬
            ‫أصولها فى الدول الديمقراطية وقد أبانت المحكمة فى‬
            ‫كثير من أحكامها صراحة عن تبنيها المعايير العالمية‬
            ‫فى تحديد مضمون نص ينظم حق من حقوق الإنسان‬
            ‫فقد أوردت « أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته‬
            ‫الأساسية فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو‬
            ‫فى الدولة القانونية عليها وتتقيد بها ( أى الدولة )‬
            ‫إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول‬

‫‪27‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32