Page 28 - LEGAL CULTURE
P. 28

‫الديمقراطية باضطراد فى مجتمعاتها‪ ،‬واستقر العمل‬

                                                                                                                                        ‫بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة ‪......‬‬
                                                                                                                                        ‫فلا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن‬

                                                                                                                                        ‫تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم‬
                                                                                                                                        ‫عند الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى‬

                                                                                                                                        ‫الدول الديمقراطية ولها أن تفرض على تمتعهم بها‬

                                                                                                                                        ‫أو مباشرتهم لها قيوداً تكون فى جوهرها أو مداها‬
                                                                                                                                        ‫مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية‬

                                                                                                                                        ‫على تطبيقها‪ ،‬بل إن خضوع الدولة للقانون محدداً‬
                                                                                                                                        ‫على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤداه آلا تحل تشريعاتها‬

                                                                                                                                        ‫بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية‬

                                                                                                                                        ‫مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية‬
                                                                                                                                        ‫لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة ‪« .‬‬

                                                                                                                                        ‫الحكم فى الدعوى رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 8‬قضائية «دستورية»‬
                                                                                                                                        ‫جلسة ‪ ، « 1992/1/4‬وفى حكم آخر أوردت « الإبداع‬

                                                                                                                                        ‫‪ .....‬أداة ارتقائها‪ ،‬لا ينفصل‬  ‫أث ًرا لا ترفاً‬  ‫حياة الأمم‬  ‫فى‬
                                                                                                                                        ‫وجدانها‪ ،‬كافلاً تقدمها من‬      ‫يتفاعل مع‬        ‫تراثها‪ ،‬بل‬  ‫عن‬

                                                                                                                                        ‫خلال اتصال العلوم والفنون ببعضها ليكون بنيانها أكثر‬
                                                                                                                                        ‫تكاملاً وحلقاتها أعمق ارتباطاً‪ ،‬ومفاهيمها أبعد عطا ًء‬
                                                                                                                                        ‫‪ ....‬والإبداع فى العلوم والفنون ‪-‬وأياً كان لونها – ليس‬
                                                                                                                                        ‫تسليماً بما هو قائم من ملامحها‪ ،‬بل تغيراً فيها تعديلاً‬
                                                                                                                                        ‫لبنيانها‪ ،‬أو تطويراً لها‪ ،‬ليؤكد المبدع بذلك انفراده‬

                                                                                                                                        ‫بإحداثها‪ ،‬فلا يمكن نسبتها لغيره‪ ،‬إذ هو صانعها ‪....‬‬

‫لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى‬                                                                    ‫« ويتعين على ضوء ذلك‪ ،‬أن يكون الإبداع محل تقدير‬
‫توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عند الحدود الدنيا لمتطلباتها‬                                                                             ‫الأمم على تباين مذاهبها وتوجهاتها‪ ،‬وأن تيسر الطريق‬
‫المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية ولها أن تفرض على تمتعهم‬
‫بها أو مباشرتهم لها قيودًا تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك‬                                                                          ‫إليه بكل الوسائل التى تملكها‪ ،‬فلا ينعزل حبيساً أو‬
‫التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها‬                                                                                         ‫يتمحض لهواً أو ترفاً‪ ،‬بل ينحل جهداً ذهنياً فاعلاً‬
                                                                                                                                        ‫ونظراً متوثباً فى تلك العلوم والفنون يعيد تشكيلها‬
‫على سبيل المثال الحكم فى الدعوى رقم ‪ 35‬لسنة ‪17‬‬                                ‫المحكمة الدستورية العليا‪ ،‬ذلك أن هذا الحق وثيق‬            ‫ويطرح أبعا ًدا جديدة لها ‪ « .......‬الحكم فى الدعوى‬
           ‫قضائية «دستورية» جلسة ‪.»1997/8/2‬‬                                                                                             ‫رقم ‪ 2‬لسنة ‪ 15‬قضائية دستورية جلسة ‪.« 1997/1/4‬‬
                                                                              ‫الصلة بالحرية الشخصية‪ ،‬وهى الحرية الأصل التى‬
‫المحكمــــــــــة الدستوريـــــــــــة العليــــــــا ونظرتهـــــــــــا‬                                                                ‫تكامـــــــــل حقــــــــوق الإنســــــــان وعـــــــــدم التــــــــدرج‬
‫إلـــــــــــى سلطــــــــــة المشـــــــــرع فــــــــــــى تنظيــــــــــم‬  ‫تهيمن على الحياة بكل أقطارها‪ ،‬ولا تكتمل الشخصية‬
                                                                                                                                                                            ‫بينهـــــــــــا ‪:‬‬
                        ‫حقــــــــــوق الإنســـــــــــــان‪:‬‬                  ‫الإنسانية فى غيبتها‪ ،‬وهو كذلك من الحقوق الشخصية‬           ‫تنظر المحكمة الدستورية العليا لحقوق الإنسان نظرة‬
‫أوردت المحكمة مئات الأحكام التى ضبطت من خلالها‬
‫كيفية تنظيم المشرع للحقوق والحريات وما هى القيود‬                              ‫التى لاتتجاهل القيم الدينية‪ ،‬أو تقوض روابطها‪ ،‬أو تعمل‬     ‫شاملة‪ ،‬متكاملة‪ ،‬كل لاتنقسم‪ ،‬ولو كانت النصوص التى‬
‫التى ترد على سلطته فى تنظيمها بما لا يؤدى إلى‬                                 ‫بعيداً عنها‪ ،‬أو تتقرر إنعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها‬  ‫جاءت بحق من الحقوق غامضة أو غير واضحة فإن‬
‫إهدارها أو انتقاصها من أطرافها‪ ،‬مع احتفاظها بسلطة‬                             ‫الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها‪ ،‬بل تزكيها‪ ،‬وتتعاظم‬
                                                                                                                                        ‫للنصوص الجلية قيمة أكبر من سواها والتوفيق بين‬
     ‫المشرع التقديرية وعدم إحلالها لنفسها محله ‪.‬‬                              ‫بقيمتها‪ ،‬بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها‪ ،‬ذلك أن‬           ‫أجزاء النصوص حال تعارضها من الأغراض التى تقوم‬
‫فالمشرع لا يجوز أن ينال من الحق محل الحماية‬
‫الدستورية بالنقض أو الانتقاص الذى يؤدى إلى فقده‬                               ‫الزوجين‪ -‬ومن خلال الأسرة التى كوناها ‪ -‬يمتزجان‬            ‫عليها جهة الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪،‬‬
                                                                                                                                        ‫وهى ‪-‬فى سبيل ذلك ‪ -‬تقيم صلة منطقية بين الحقوق‬
                    ‫جل منفعته أو يفقده جوهره ‪.‬‬                                ‫فى وحدة يرتضيانها‪ ،‬يتكاملان بها‪ ،‬ويتوجان بالوفاء‬
‫ولا يجوز تنظيم حق ما لغير مصلحة واضحة يقوم‬                                                                                              ‫السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬وترفض‬
                                                                              ‫جوهرها‪ ،‬ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها‪ ،‬وعبر‬                  ‫المحكمة تقرير أولوية لبعضها على بعض ‪.‬‬
                          ‫الدليل على اعتبارها ‪.‬‬                               ‫امتداد زمنها‪ ،‬مؤكداً حق الشريكين فيها‪ ،‬فى أن يتخذا‬
‫ولا يجوز أن تنفصل النصوص التشريعية التى ينظم‬                                  ‫من خلالها أدق قراراتهما وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما‪،‬‬       ‫وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن « حقوق‬
‫بها المشرع موضوعاً محدداً عن أهدافها‪ ،‬بل يجب‬                                  ‫بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها‪ ،‬فلا‬               ‫الإنسان وحرياته التى كفلها الدستور لاتتدرج فيما بينها‬
‫أن تكون هذه النصوص مدخلاً إليها وموطئاً لإشباع‬                                ‫يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها‪،‬‬
                                                                                                                                        ‫ليعلو بعضها على بعض‪ ،‬بل يتعين النظر إليها بوصفها‬
                     ‫مصلحة عامة لها اعتبارها ‪.‬‬                                ‫وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها‬
‫مــــــــــــــن محصلــــــــــــة أحكــــــــــــام المحكمــــــــــــة‬      ‫الحياة العائلية‪ ،‬فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً‪« .‬‬      ‫قي ًما عليا تنتظم حقوقاً لا تنقسم‪ ،‬فلا يجوز تجزئتها‪،‬‬
‫نستطيــــــــــــع أن نستخلــــــــــــص أن ثمــــــــــــة قيــــــــــــود‬  ‫الحكم فى الدعوى رقم ‪ 33‬لسنة ‪ 15‬قضائية «دستورية»‬           ‫بل يكون ضمانها فى مجموع عناصرها ومكوناتها لازماً‬
‫تــــــــــــرد على سلطــــــــــــة المشــــــــــــرع عنــــــــــــد‬                                                                 ‫لتطوير الدول لمجتمعاتها وفق قواعد القانون الدولى‬
‫تنظيمــــــــــــه لحريــــــــــــة مــــــــــــن الحريــــــــــــات‬                                  ‫جلسة ‪. 1995/12/2‬‬
                                                                                                                                        ‫التى تشكل فى التطور الراهن لهذه الحقوق‪ ،‬كثير من‬
                ‫يأتــــــــــــى فــــــــــــى مقدمتهــــــــــــا ‪:‬‬         ‫وكذلك أيضاً فعلت المحكمة مع حرية التعاقد فقد‬              ‫ملامحها ‪ ......‬فحقوق الإنسان جميعها لا يجوز عزلها‬
‫مراعاة الإجراءات الشكلية التى أوجبها الدستور ‪.‬‬                                ‫استقر قضاؤها على أن حرية التعاقد‪ ،‬قاعدة أساسية‬
                                                                                                                                        ‫عن بعض ولو كان لبعضها دور أكبر لصلتها الوثقى‬
                     ‫استهداف الصالح العام ‪.‬‬                                   ‫يقتضيها الدستور صونا للحرية الشخصية التى لايقتصر‬          ‫بوجوده وآدميته‪ ،‬بل يتعين أن تتوافق وتتناغم فيما بينها‬

                                                                              ‫ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن‪،‬‬              ‫لتتكامل بها الشخصية الإنسانية فى أكثر توجهاتها عمقاً‬
                                                                                                                                        ‫ونبلاً ‪« .‬الحكم فى الدعوى رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 16‬قضائية‬
                                                                              ‫بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار‬
                                                                                                                                                          ‫«دستورية» جلسة ‪.»1996/4/6‬‬
                                                                              ‫وسلطة التقرير التى يملكها كل شخص‪ ،‬فلايكون بها‬             ‫حقــــــــــوق الإنســـــــــان لم تحصرهـــــــــــا المحكمــــــــــة‬

                                                                              ‫كائ ًنا ُيحمل على مالايرضاه‪ ،‬بل بش ًرا سو ًيا «يراجع‬      ‫الدستوريـــــــــة العليـــــــا فيمـــــــا أوردتــــــــــه‬
                                                                                                                                                                       ‫الدساتيـــــــــــــر ‪:‬‬

‫تأتى الكرامة فى مقدمة كل الحقوق والحريات‪ ،‬لاتصالها بخصائص‬                                                                               ‫إذا كان الدستور هو مأول الحريات ومعين الحقوق‬
‫الإنسان التى فطر عليها والكرامة ليست كلمة تطلق أو شعارًا يرفع‪،‬‬                                                                          ‫وحتى تكون الحقوق فى موقع الحماية القضائية فإن‬
‫وإنما ينبغى ترجمتها إلى حقوق ُتصان‪ ،‬فيفترض فى الدساتير جميعها‬
‫أن تصون للناس كرامتهم أيًا كان قدر الفوارق التى تفصل بينهم ‪ .‬وإذا‬                                                                       ‫المحكمة الدستورية العليا لم تسبغ الحماية على ما ورد‬
‫تتبعنا جميع الحقوق وبصفة خاصة الحقوق المدنية والسياسية نجدها‬                                                                            ‫بالدستور من حقوق فحسب‪ ،‬بل ثمة حقوق لم يوردها‬
‫متفرعة عن كرامة الإنسان لا تنفصل عنها كالحق فى الحياة بغير قيود‬
‫تعطلها فى غير ضرورة‪ ،‬والحرية الشخصية هى إرادة الاختيار‪ ،‬ومنها‬                                                                           ‫الدستور وجعلت منها المحكمة حقوقاً دستورية كالحق‬
‫اختيار الزوج‪ ،‬اختيار نمط التعليم‪ ،‬اختيار العمل الذى يميل إليه‬                                                                           ‫فى الزواج وتكوين أسرة فقد جعلته من الحقوق التى‬

                                                                                                                                        ‫لا تكتمل بدونها الحرية الشخصية فقد أوردت أن «‬
                                                                                                                                        ‫الحق فى تكوين الأسرة ‪ -‬واختيار الزوج مدخلها ‪ -‬من‬

                                                                                                                                        ‫الحقوق التى كفلها الدستور على ماجرى عليه قضاء‬

                                                                                                                                                                       ‫يناير ‪282024‬‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33