Page 39 - LEGAL CULTURE
P. 39

‫أ َّن جرائم إسرائيل فى غزة‪ ،‬وعدم احترامها للقرارات الدولية الصادرة‬
            ‫بشأنها‪ ،‬قد رسخت فى يقين المجتمع الدولى صورتها كدولة تعمل خارج‬
            ‫الشرعية الدولية‪ .‬ومن الجدير بالذكر فى هذا السياق أ َّن إسرائيل تحتل‬
            ‫اولإأ َّونلالىسعاؤلامل ًياالذفىىيعطدردحانلإفدانساهتحالت ًمماوجهوه«ةملاهاه مى آنلياهيتئامتحاالأسمبمة‬  ‫المرتبة‬
                                                                                                                 ‫المتحدة‪.‬‬
            ‫مرتكبى الجرائم الجسيمة فى غزة»‪ .‬بصفة عامة فقد أتاح القانون الجنائى‬
            ‫الدولى عدة سبل‬

            ‫فى سياق حصار مطبق على قطاع غـزة‪ ،‬مع تعمد ذلك فى ظل صمت من بعض القوى الغربية الداعمة‬
            ‫فرض أحوال معيشية قاسية مثل منع مقومات الحياة لإسرائيل وصل إلى عرقلة حـدوث هدنة إنسانية‪،‬‬
            ‫اليومية‪ ،‬والتجويع‪ ،‬فى إطار سياسة واضحة للتطهير حتى بعد صـدور قـرار من الجمعية العامة للأمم‬
            ‫العرقي‪ ،‬ممزوجة بخطاب كراهية سافر يتدنى بسكان المتحدة بها‪ ،‬على النحو الذى سوف نعرض له لاح ًقا‪،‬‬
            ‫غزة إلى درجة «الحيوانات البشرية» على حسب تعبير إلى أن فرضتها المقتضيات السياسية والعسكرية‬
            ‫أحد المسئولين الإسرائيليين‪ ،‬وكل ذلك يرشح لقيام بين الطرفين‪ ،‬بصفة خاصة لتلبية مقتضيات تبادل‬
                                           ‫الرهائن والأسرى‪.‬‬                                             ‫جريمة الإبادة الجماعية بكافة أركانها‪.‬‬
            ‫وعـادة تنظر المحاكم الدولية لتصريحات القادة ثانياً‪ :‬الآليات القانونية المتاحة لمحاسبة المسئولين‬
                   ‫السياسيينوالمسئولينذاتالطبيعةالتحريضيةلإثبات عن انتهاكات القانون الإنسانى الدولى فى غزة‬
            ‫توافر النية على الإبادة الجماعية‪ .‬ومما لا شك فيه من السمات الأساسية المحيطة بالصراع فى غزة‬
            ‫أ َّن خطا َب الكراهية الدائم الموجه إلى الفلسطينيين أ َّن المسئولين الإسرائيليين لا يتورعون عن التصريح‬
            ‫مقرو ًنا بتصريحات العديد من المسئولين الإسرائيليين بارتكاب الجـرائـم الدولية دون خـوف أو وجـل من‬
            ‫المسئولية الجنائية الـدولـيـة‪ ،‬بمـا يـكـرس سياسة‬                                            ‫ُيرشح لتوافر هذه النية‪ ،‬ومنها على سبيل المثال وصف‬
            ‫الإفلات من العقاب‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬يتضح هذا‬                                               ‫وزير الدفاع الإسرائيلي‪ ،‬يواف غالانت‪ ،‬فى تصريح‬          ‫الدولى الإنساني»‪ .7‬وهو الأمر الذى أشار إليه الأمين‬
            ‫حزب‬    ‫الاستخبارات فى‬  ‫وزيـرة‬  ‫الجلليًياكودمنجتيلاصرغيمحلائيتل‬                              ‫صدر عنه بتاريخ ‪ 9‬أكتوبر ‪ 2023‬الفلسطينيين بأ َّنهم‬      ‫العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش فى رسالته‬
            ‫والتى‬  ‫‪ 19‬نوفمبر ‪2023‬‬  ‫بتاريخ‬                                                               ‫«حيوانات بشرية»‪ .‬وكذلك‪ ،‬تصريح وزيـر التراث‬             ‫الموجهة إلى رئيس مجلس الأمن يوم ‪ 7‬ديسمبر ‪2023‬‬
            ‫دعـت فيها إلـى تهجير سكان قطاع غـزة بـدلاً من‬                                               ‫الإسرائيلى عميحاى إلياهو ‪ -‬الصادر عنه بتاريخ ‪5‬‬         ‫قبل نظر المجلس موضوع الحرب فى غزة فى اليوم‬
            ‫إعمار القطاع‪ .‬فقد ذكرت أ َّنه على المجتمع الدولى‬                                            ‫نوفمبر خلال مقابلة إذاعية ‪ -‬الذى أعرب فيه عن‬           ‫التالي‪ ،‬إذ قرر أنه «ليس هناك مكان آمن فى غزة»‪.‬‬
            ‫تعزيز «إعـادة التوطين الطوعي» للفلسطينيين فى‬                                                ‫انفتاحه لفكرة إلقاء إسرائيل قنبلة نووية على غزة‪.‬‬       ‫وهو الأمر الذى شدد عليه الم ُ َف ِوض العام للأونروا‬
            ‫غزة فى مواقع حول العالم‪ .‬وإدرا ًكــا لخطورة هذه‬                                             ‫وتتزامن هذه التصريحات التحريضية على ارتكاب‬             ‫فى حديث له بتاريخ ‪ 13‬ديسمبر ‪ 2013‬أمام المنتدى‬
            ‫الخطة الممنهجة لتهجير السكان من غزة‪ ،‬بتاريخ ‪10‬‬                                              ‫جريمة الإبــادة الجماعية للفلسطينيين فى قطاع‬           ‫العالمى للاجئين‪ ،‬حيث أكد أنه «لا يوجد مكان تشعر‬
            ‫ديسمبر ‪ 2023‬اتهم الم ُ َف ِوض العام لوكالة الأمم المتحدة‬                                    ‫غزة مع حقيقة أ َّن هناك عائلات غزاوية كاملة تم‬
            ‫لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب‬                                             ‫محو أسماء أفرادها من السجلات بعد أ ْن ُأبيدوا فى‬                                  ‫فيه بالأمان فى غزة»‪.‬‬
            ‫لازارينى إسرائيل بتمهيد الطريق لتهجير سكان قطاع‬                                                                                                    ‫ويمكن القول إ َّن الإبعاد أو التهجير القسرى للسكان‬
            ‫إلغزىةنكجبمةاثعا ًنيايةإلللىفلمسصطرينيعبيرن‪.‬الحدود‪ ،‬لكى يتحول ذلك‬                                            ‫الهجمات العسكرية الإسرائيلية‪.‬‬         ‫قد يشكل جرائم حرب أو جريمة ضد الإنسانية‪ ،‬وقد‬
            ‫وممـا لا شك فيه أ َّن جرائم إسرائيل فى غزة‪،‬‬                                                 ‫ومما يدلل على وجود نية الإبـادة الجماعية لدى‬           ‫يصل إلى حد ارتكاب جريمة الإبـادة الجماعية إذا‬
            ‫وعدم احترامها للقرارات الدولية الصادرة بشأنها‪،‬‬                                              ‫الجانب الإسرائيلي‪ ،‬قطع وسائل الاتصال عن القطاع‪،‬‬        ‫اجتمعت شروط معينة ُت َش ِكل فى مجملها أركان هذه‬
            ‫قد رسخت فى يقين المجتمع الدولى صورتها كدولة‬                                                 ‫ومنع وسائل الإعلام من نقل ما يحدث به من مجازر‪،‬‬
            ‫تعمل خارج الشرعية الدولية‪ .‬ومن الجدير بالذكر فى‬                                             ‫للحيلولة دون جمع الأدلة على ارتكاب تلك المجازر‪،‬‬                                      ‫الجريمة الشنعاء‪.‬‬
            ‫عهدذادااللإسديااناق أت َّنالإموسرجاهئةيللهتاحتملنالمهريتئباةتالاألوألمىمعالاملمت ًياحدفة‪.‬ى‬  ‫والتى ترسى نية الإبادة الجماعية‪ .‬ويتعاصر ذلك مع‬        ‫ومــن الـواضـح أ َّن الـرغـبـة فـى تهجير السكان‬
            ‫يالطجررحائنمف اسلهجحستي ًمماةهفوى«مغازةه»‪.‬ىبآليصافتة‬  ‫وإ َّن السؤال الذى‬                    ‫هجمات ممنهجة من قوات الاحتلال والمستوطنين‬              ‫الفلسطينيين من أراضيهم وأماكن إقامتهم إلى خارج‬
                                                                  ‫محاسبة مرتكبى‬                         ‫على المدنيين فى الضفة الغربية‪ ،‬ليس فقط بنية‬            ‫فلسطين ليست وليدة حـرب غـزة‪ ،‬بل هى سياسة‬
            ‫عامة فقد أتاح القانون الجنائى الدولى عدة سبل‬                                                ‫القضاء عليهم‪ ،‬بل بنية ترحيلهم‪ ،‬وتطهيرهم عرقياً‪،‬‬        ‫ثابتة تتبناها العقيدة الصهيونية‪ ،‬عبر تضييق سبل‬
            ‫لمحاسبة مرتكبى الجرائم الدولية الجسيمة فى غزة‪،‬‬                                              ‫والقضاء تما ًما على فكرة الدولة الفلسطينية‪ ،‬بل إن‬      ‫الحياة على الفلسطينيين‪ ،‬أو اختلاق اضطرابات فى‬
                                                                  ‫وهى كالتالي‪:‬‬                          ‫صح التعبير القضاء على الوجود الفلسطينى ذاته‪.‬‬           ‫المجتمع الفلسطيني‪ ،‬وكان أن انتهزت إسرائيل فرصة‬
            ‫‪ -1‬محاكمة مرتكبى الجرائم الدولية الجسيمة فى‬                                                 ‫وإ َّن ادعاء إسرائيل بمحافظتها على أرواح المدنيين‬      ‫هجمات السابع من أكتوبر ‪ 2023‬من حماس لتشن‬
                                   ‫غزة أمام محاكمهم الوطنية‬                                             ‫يناقضه نهج سير عملياتها العسكرية وما تستخدمه‬           ‫حربها الضروس على القطاع بهدف إبعاد السكان من‬
            ‫المقصود هنا المحاكم الإسرائيلية وهو أمر بطبيعة‬                                              ‫فيها من أسلحة وذخائر (البعض منها محرم دولية)‬
            ‫الحالة بعيد المنال‪ ،‬واضعين فى الحسبان أ َّن ما ترتكبه‬                                                                                                       ‫ديارهم تمهي ًدا لتهجيرهم خارج فلسطين‪.‬‬
            ‫القوات الإسرائيلية من جرائم دولية جسيمة فى غزة‬                                                                             ‫بطريقة مفرطة‪.‬‬           ‫وكل هذه المعطيات تضع كافة المسئولين عن هذه‬
            ‫ايللإقسىرادئيعل ًيمةا‪ .‬وقبولاً وتبري ًرا من القيادات السياسية‬                               ‫وعلى الرغم من الأعــداد الكبيرة للشهداء من‬             ‫الجرائم من مخططين ومتواطئين ومنفذين تحت‬
            ‫‪ -2‬محاكمة مرتكبى الجرائم الدولية الجسيمة‬                                                    ‫المدنيين الفلسطينيين‪ ،‬لا سيما النساء والأطفال فإ َّن‬   ‫طائلة القانون الجنائى الدولي‪ ،‬خاصة عندما ُتر َتكَب‬
            ‫فى غزة أمام المحاكم الوطنية لدول أخرى طب ًقا لمبدأ‬                                          ‫آلة القتل العسكرية الإسرائيلية لم تكتف بهذا العدد‪،‬‬     ‫تلك الأفعال بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين‬
                   ‫«الاختصاص الجنائى العالمي»‬                                                           ‫بل هى ماضية فى أعمال القصف والقتل‪ ،‬على الرغم‬           ‫أو كلهم‪ ،‬فى ظل وجود نية حقيقية للقادة الإسرائيليين‬
            ‫يجد هــذا المـبـدأ مـصـدره فـى الـقـانـون الـدولـى‬                                          ‫من تحذير المفوض السامى لحقوق الإنسان بالأمم‬            ‫لإزاحــة السكان الـغـزاويـن تمـا ًمـا مـن قطاع غـزة‪،‬‬
            ‫التعاهدى والعرفي‪ ،‬وهو يخول للدول اختصا ًصا عا ًما‬                                           ‫المتحدة بأ َّن المزيد من الأعمال العسكرية البرية فى‬    ‫وتهجيرهم خارج القطاع‪ ،‬والقضاء عليهم‪ ،‬فى حالات‬
            ‫لتجريم وعقاب بعض الأفعال المستهجنة من المجتمع‬                                               ‫غزة من الممكن أ ْن يترتب عليها قتل المزيد من الآلاف‬    ‫قتل متعمد للمدنيين‪ ،‬دون تمييز‪ ،‬ودون توقف لآلة‬
            ‫الدولى ككل والتى يعدها ذات أبعاد تمس مصلحة‬                                                  ‫من المدنيين‪ ،‬وقائمة الجرحى تتزايد بمرور كل يوم‪،‬‬        ‫القتل الإسرائيلية رغم سقوط عشرات الآلاف من‬
                                                                                                        ‫بل كل ساعة‪ .‬لذلك‪ ،‬فلم يكن من المستغرب أ ْن يعلن‬        ‫القتلى والجرحى فى مدد زمنية قصيرة‪ ،‬بينهم ما‬
                                                                                                        ‫الأمين العام للأمم المتحدة فى بيان رسمى بتاريخ ‪28‬‬      ‫ُيجاوز الستة آلاف طف ًل‪ ،‬منهم أطفال حديثو الولادة‪،‬‬
                                                                                                        ‫أكتوبر ‪ 2023‬بأ َّنه فوجئ بالتصعيد الإسرائيلى غير‬       ‫طالهم القصف الإسرائيلى فى أماكن أعلنت قوات‬
                                                                                                        ‫المسبوق بقصف قطاع غزة وتداعياته الم ُـ َد ِمـ َرة‪ .‬كل‬  ‫الاحتلال الإسرائيلية مسب ًقا أ َّنها آمنة‪ ،‬غير عابئة‬
                                                                                                                                                               ‫بأ َّنها أعيان مدنية تخضع لحماية القانون الإنسانى‬
            ‫الإنسانية جمعاء‪ ،‬ومـن قبيل تلك الأفـعـال جرائم‬                                                                                                     ‫الـدولـي‪ ،‬مـع تـكـرار واضــح لقصف أمـاكـن اللجوء‬
                                                                                                                                                               ‫والمستشفيات والمــدارس (منها التابعة لـأونـروا)‪،‬‬

            ‫الحـرب والجـرائـم ضـد الإنسانية وجـرائـم الإبـادة‬
            ‫الجماعية‪ .‬والمنطق المؤيد لذلك المبدأ هو أ َّن هناك‬
‫يناير ‪2024‬‬  ‫بعض أنـواع الجرائم بالنظر إلى طبيعتها الخاصة‬                                                ‫ومن الواضح أ َّن الرغبة فى تهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم‬
            ‫تؤثر على مصالح الدول جمي ًعا حتى ولو تم ارتكابها‬                                            ‫وأماكن إقامتهم إلى خارج فلسطين ليست وليدة حرب غزة‪ ،‬بل هى‬
            ‫فى دولة أخرى أو ضد رعايا أو مصالح دولة أخرى‪.‬‬                                                ‫سياسة ثابتة تتبناها العقيدة الصهيونية‪ ،‬عبر تضييق سبل الحياة على‬
            ‫وهـذا المبدأ يتيح لأى دولـة أ ْن تباش َر اختصاصها‬                                           ‫الفلسطينيين‪ ،‬أو اختلاق اضطرابات فى المجتمع الفلسطيني‪ ،‬وكان أن‬
            ‫القضائى على بعض أنواع الجرائم الدولية ومرتكبيها‬                                             ‫انتهزت إسرائيل فرصة هجمات السابع من أكتوبر ‪ 2023‬من حماس لتشن‬
            ‫وبغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو شخصية‬                                                  ‫حربها الضروس على القطاع بهدف إبعاد السكان من ديارهم تمهي ًدا‬
‫لتهجيرهم خارج فلسطين ‪39‬‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44