Page 41 - LEGAL CULTURE
P. 41

‫الحالى عن محاسبة قياداتها السياسية والعسكرية‬
            ‫عن محاسبتهم بصدد ما ارتكبوه من جرائم دولية‬
            ‫جسيمة‪ ،‬لا ينفى مسئوليتهم الدولية عن تلك الجرائم‪.‬‬
            ‫فجميع الأفعال المتقدمة أضحت مجرمة دولياً ليس‬
            ‫فقط وفقاً للاتفاقيات الدولية السارية وهو ما يسمى‬
            ‫بالقانون التعاهدي‪ ،‬بل أيضاً وفقاً لقواعد القانون‬
            ‫الدولى العرفى الم ُلزم والذى ُترم قواعده المستقرة‬
            ‫ارتكاب مثل تلك الجرائم الدولية و ُترتب المسئولية‬
            ‫الدولية على الدول التى تقترفها والمسئولية الجنائية‬
            ‫الفردية للأشخاص المسئولين عن ارتكابها سواء كانوا‬
            ‫من ذوى السلطة أم من الأشخاص العاديين‪ .‬إضافة‬
            ‫إلى ذلك‪ ،‬فإن تلك الجرائم الدولية لا تسقط بالتقادم‬
            ‫كمثيلاتها من الجرائم العادية‪ ،‬ومن ثم يظل مقترفوها‬
            ‫ُمعرضين للمحاكمة الجنائية حتى تثبت براءتهم‬
                                               ‫منها‪.11‬‬
            ‫ثالثاً‪ :‬الموقف المصرى الم ُ َش ِرف والحازم من جرائم‬
                             ‫الاحتلال الإسرائيلى فى غزة‬
            ‫مما لا شك فيه أن ما ارتكبته ومـازالـت ترتكبه‬
            ‫قوات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة من جرائم دولية‬
            ‫جسيمة‪ ،‬لها تداعياتها الخطيرة المباشرة على الأمن‬
            ‫القومى المصري‪ ،‬خاصة أ َّنها لم تقتصر على مجرد‬
            ‫الإبعاد القسرى للسكان المدنيين من شمال قطاع غزة‬
            ‫وإجبارهم على النزوح لجنوب القطاع‪ ،‬بل تعدى الأمر‬
            ‫إلى ظهور نية حقيقة لإبادة أبناء غزة أو تهجيرهم إلى‬
            ‫دول الجوار أو كلا الأمرين‪ .‬ومن الواضح أ َّن القيادة‬
            ‫السياسية فى مصر قد أدركت خطورة هذا المخطط‬                  ‫اتخذت مصر عدة مواقف حازمة أخرى بشأن سياسات التهجير القسرى‬
            ‫فى غزة‪ ،‬ونسقت مصر موقفها مع أشقائها العرب‪ ،‬حيث تمكنت الإجرامى منذ البداية على النحو الذى يتضح من‬
            ‫المجموعة العربية بتاريخ ‪ 27‬أكتوبر ‪ 2023‬من استصدار قرار من الجمعية البيانات الرسمية الـصـادرة عـن وزارة الخارجية‬
                                                  ‫المصرية‪.‬‬             ‫العامة للأمم المتحدة يحمل عنوان «حماية المدنيين والتمسك‬
            ‫إطلالة على جهود السلطات المصرية فى مواجهة‬                  ‫بالالتزامات القانونية والإنسانية»‪ ،‬وذلك فى إطار الدورة الاستثنائية‬
                                                                       ‫الطارئة العاشرة للجمعية العامة التى تحمل عنوان «الأعمال الإسرائيلية‬
                                ‫العدوان الإسرائيلى على غزة‬             ‫غير قانونية فى القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية‬
            ‫بطبيعة الحال‪ ،‬فإن الحيز المخصص لهذه المداخلة‬               ‫المحتلة»‪ ،‬من خلال إطار قرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم ‪5/377‬‬
            ‫لا ُ َي ِك َننى مـن استعراض كافة جهود السلطات‬              ‫الصادر بتاريخ ‪ 3‬نوفمبر ‪ 1950‬المعنون «متحدون من أجل السلام»‬
            ‫المصرية فى مواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى‬
            ‫غزة ودعم أبناء الشعب الفلسطيني‪ .‬إلا أن المتتبع‬
            ‫لتصريحات القيادة السياسية فى مصر والبيانات‬
            ‫الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية سوف يتبين‬
            ‫اتفاقها مع روح وأحكام القانون الدولي‪ ،‬وإدانتها‬             ‫الدولى والقانون الدولى لحقوق الإنسان نظام العدالة‬  ‫تحقي ًقا بالفعل فى القضية‪ .‬وفى تاريخ ‪ 17‬نوفمبر‬
            ‫لانتهاكات القانون الدولى التى ترتكبها قوات الاحتلال‬        ‫الجنائية الدولية بالانتقائية‪ ،‬خاصة فى ظل ازدواجية‬  ‫‪ – 2023‬عقب أحـداث غزة ‪ -‬تلقى مكتب المدعى‬
            ‫الإسرائيلي‪ ،‬والتصريحات العنصرية التى تنطوى على‬             ‫المعايير بشأن ملاحقة مرتكبى الجرائم الدولية‪ .8‬بل‬   ‫العام بالمحكمة الجنائية الدولية إحالة للوضع فى‬
            ‫خطاب كراهية صادرة عن القيادات السياسية فى‬                  ‫أن هناك العديد من كبار فقهاء القانون الدولي‪ ،‬منذ‬   ‫دولة فلسطين من خمس دول هي‪ :‬جنوب إفريقيا‪،‬‬
                                               ‫إسرائيل‪.‬‬                ‫وقت طويل‪ ،‬قد خصوا بالذكر فشل منظمة الأمم‬           ‫بنغلاديش‪ ،‬بوليفيا‪ ،‬جزر القمر‪ ،‬وجيبوتي‪ .‬وبالتالى‬
            ‫واحتسا ًبا لآثار الإبعاد القسرى للسكان المدنيين‬            ‫المتحدة والدبلوماسية الدولية فى محاسبة إسرائيل‬     ‫ســوف يتم ضـم الإحــالات الجـديـدة بمـا تضمنته‬
            ‫فى قطاع غزة‪ ،‬فقد أكدت وزارة الخارجية المصرية‬               ‫عن جرائمها فى فلسطين‪ ،‬والحصار الذى تفرضه‬           ‫من جرائم دولية جسيمة تم ارتكابها منذ ‪ 7‬أكتوبر‬
            ‫فى بيانها الصادر فى ‪ 21‬أكتوبر ‪ 2023‬إدانة ورفض‬                                                                 ‫للتحقيق القائم فى هذا الشأن‪ .‬ودعا المدعى العام‬
            ‫استهداف المدنيين والبنية التحتية والمنشآت المدنية‪،‬‬                                       ‫على قطاع غزة‪.9‬‬       ‫للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان كافة الجهات‬
            ‫مع التركيز على إدانـة التهجير القسرى الفردى أو‬             ‫لذلك فقد بات لدى العرب تشكك‪ ،‬ليس فقط فى‬            ‫الفاعلة ذات الصلة إلى التعاون الكامل مع مكتبه‪ .‬كما‬
            ‫الجماعي‪ ،‬وكذلك سياسة العقاب الجماعى التى‬                   ‫منظومة حقوق الإنسان الدولية‪ ،‬بل أي ًضا فى منظومة‬   ‫دعا جميع الدول الأطراف فى نظام روما الأساسى‬
            ‫تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلية‪ .‬وتعقي ًبا على‬          ‫العدالة الجنائية الدولية‪ ،‬التى تتربع على قمتها‬     ‫إلى تزويد مكتبه بالأدوات التى يحتاجها كى يتمكن من‬
            ‫تصريحات وزير الشئون الإستراتيجية الإسرائيلى‬                ‫المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬بسبب معايير الانتقائية‪،‬‬
            ‫«رون ديـرمـر» الداعية لتشجيع الفلسطينيين فى‬                ‫وتدخل الـدول الكبرى فى التأثير على سير نظام‬               ‫تنفيذ ولايته بشكل فعال‪ ،‬فى جميع المواقف‪.‬‬
            ‫قطاع غـزة للهجرة خـارج القطاع»‪ ،‬ردد المتحدث‬                ‫العدالة الجنائية‪ ،‬خاصة من خلال مجلس الأمن‪.10‬‬       ‫ومن الجدير بالذكر أن هناك بعض التحفظات‬
            ‫الرسمى باسم وزارة الخارجية موقف مصر الرافض‬                 ‫لـذلـك فمن المـهـم‪ ،‬مـن وجـهـة نـظـري‪ ،‬أن تلجأ‬     ‫من عدة دول أطراف فى النظام الأساسى للمحكمة‬
            ‫جمل ًة وتفصيلاً لأيـة محاولات إسرائيلية لتهجير‬             ‫الدول العربية إلى الأجهزة الأخرى المختصة بالأمم‬    ‫الجنائية الدولية بشأن أداء المدعى العام للمحكمة‬
            ‫الفلسطينيين خارج غزة بشكل طوعى أو قسري‪.12‬‬                  ‫المتحدة ‪ -‬مثل المجلس الـدولـى لحـقـوق الإنـسـان‬    ‫الجنائية الدولية لتقاعسه عن التحرك الفاعل بشأن‬
            ‫وأكد البيان إدانـة أى محاولات لتصفية القضية‬                ‫الدولى – للتحرك نحو لتشكيل بعثة أممية مستقلة‬       ‫الـوضـع فـى غــزة‪ ،‬ويعقدون مقارنة بشأن تحركه‬
            ‫الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطينى وشعوب‬                  ‫لتقصى الحقائق فى غزة للتحقيق فى جرائم العدوان‬      ‫السريع فور حصول الحرب على أوكرانيا‪ ،‬وسرعة‬
            ‫دول المنطقة‪ ،‬أو تهجير الشعب الفلسطينى خارج‬                                                                    ‫إصدار أمر بالقبض ضد الرئيس الروسى من غرفة‬
            ‫أرضه بأى صورة من الصور‪ ،‬باعتباره ُيشكل انتها ًكا‬                                           ‫الإسرائيلى بها‪.‬‬    ‫المحاكمة التمهيدية‪ ،‬وتخاذل أجهزة المحكمة عن اتخاذ‬
            ‫مع التأكيد على‬   ‫الإنسانى الدولي‪،‬‬  ‫للقانون‬   ‫جضرسيو ًرمةا‬  ‫وتجــدر الإشــارة فـى هـذا الـصـدد إلـى أن عدم‬     ‫إجـــراءات مماثلة بشأن مرتكبى الجـرائـم الدولية‬
            ‫الاحترام الكامل‬  ‫بالعمل على ضمان‬   ‫الالتزام‬                ‫انضمام دولـة إسرائيل إلى اتفاقية إنشاء المحكمة‬     ‫الجسيمة فى غزة‪ ،‬بما يضع استقلال وحيدة المحكمة‬
                                                                       ‫الجنائية الدولية‪ ،‬أو اخفاق نظام العدالة الجنائية‬
                                                                                                                           ‫الجنائية الدولية بشأن الوضع فى غزة على المحك‪.‬‬
            ‫لاتفاقيات جنيف لعام ‪ ،1949‬بما فى ذلك ما يتعلق‬                                                                 ‫لذلك‪ ،‬يرى يصم كبير من فقهاء القانون الجنائى‬

            ‫بمسئوليات سلطة الاحتلال‪ ،‬وإدانة الإغفال المتعمد‬
            ‫للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‪ ،‬مع ضرورة‬
‫يناير ‪2024‬‬  ‫تكريس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني‪ ،‬وإنهاء‬              ‫بات لدى العرب تشكك‪ ،‬ليس فقط فى منظومة حقوق الإنسان الدولية‪،‬‬
                                                                       ‫بل أي ًضا فى منظومة العدالة الجنائية الدولية‪ ،‬التى تتربع على قمتها‬
                                                 ‫الاحتلال‪.‬‬             ‫المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬بسبب معايير الانتقائية‪ ،‬وتدخل الدول‬
            ‫ومما يحسب للبيان آنف الذكر أ َّنه اصطبغ بإطار‬              ‫الكبرى فى التأثير على سير نظام العدالة الجنائية‪ ،‬خاصة من خلال‬
            ‫قانونى قويم‪ ،‬فطالب المجتمع الدولى بتطبيق أحكام‬             ‫مجلس الأمن‪.10‬‬
            ‫القانون الدولى الإنسانى على الجميع دون تمييز‪،‬‬              ‫لذلك فمن المهم‪ ،‬من وجهة نظري‪ ،‬أن تلجأ الدول العربية إلى الأجهزة‬
            ‫مؤك ًدا على أ ّن التقاعس فى توصيف الانتهاكات‬               ‫الأخرى المختصة بالأمم المتحدة ‪ -‬مثل المجلس الدولى لحقوق الإنسان‬
            ‫الصارخة للقانون الدولى الإنسانى يعد بمثابة منح‬
       ‫الضوء الأخضر لاستمرار هذه الممارسات‪ ،‬بل تورط‬
                                                                       ‫الدولى – للتحرك نحو لتشكيل بعثة أممية مستقلة لتقصى الحقائق‬
‫فى ارتكابها‪ ،‬بما ُيعد تحذير شديد اللهجة للقوى التى ‪41‬‬                  ‫فى غزة للتحقيق فى جرائم العدوان الإسرائيلى بها‪.‬‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46