Page 152 - merit
P. 152

‫العـدد ‪44‬‬                         ‫‪150‬‬

                                    ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

 ‫المتنوعة لتجاوز الآراء التلمودية؛‬    ‫فابن ميمون من فلاسفة العرب‬         ‫أن رفعوا من شأنه‪ ،‬فهو إذن من‬
‫ذات الأبعاد المصلحية بغية سيادة‬          ‫على رأي من يسمي الفلسفة‬           ‫أبرز الشخصيات اللاهوتية في‬
 ‫الطابع العقلاني‪ ،‬وقد تأثر بفكره‬                                                       ‫التاريخ اليهودي‪.‬‬
                                    ‫الإسلامية فلسفة عربية‪ ،‬نسبة إلى‬        ‫لكن ثمة من يجعل ابن ميمون‪،‬‬
   ‫الفيلسوف الهولندي اسبينوزا‬         ‫العرب بمعنى اصطلاحي يشمل‬             ‫وإخوانه من فلاسفة الإسلام‪.‬‬
    ‫(من أصل يهودي)‪ ،‬وموسى‬            ‫جميع الأمم‪ ،‬والشعوب الساكنين‬
    ‫مندلسون (أبو حركة التنوير‬                                           ‫وهذا ما صرح به الشيخ مصطفى‬
                                    ‫في الممالك الإسلامية‪ ،‬المستخدمين‬        ‫عبد الرازق في كلمة ألقاها في‬
      ‫اليهودية)‪ ،‬وهرمان كوهين‬           ‫اللغة العربية‪ ،‬في أكثر تآليفهم‬     ‫حفلة ابن ميمون‪ ،‬بدار الأوبرا‬
   ‫‪-‬فيلسوف يهودي‪ ،-‬وغيرهم‪.‬‬             ‫العلمية‪ ،‬لتشاركهم في لغة كتب‬           ‫في أول أبريل سنة ‪1935‬م‪،‬‬
   ‫لا يفوتنا هنا‪ ،‬أن نذكر كما أكد‬                             ‫العلم‪.‬‬       ‫حيث قال « أبو عمران موسى‬
                                          ‫انطلا ًقا من ذلك ذهب بعض‬
     ‫ول ديورانت في مؤلفه قصة‬             ‫الدارسين إلى أن ابن ميمون‬       ‫بن ميمون فيلسوف من فلاسفة‬
  ‫الحضارة أن اليهود في العصور‬            ‫من فلاسفة العرب‪ ،‬وهو من‬           ‫الإسلام؛ فإن المشتغلين في ظل‬
‫الوسطى‪ ،‬لجأوا إلى التصوف رغم‬                                              ‫الإسلام بذلك اللون الخاص من‬
                                      ‫فلاسفة الإسلام أي ًضا‪ ،‬وهذا لا‬       ‫ألوان البحث النظري مسلمين‪،‬‬
   ‫رفضهم له‪ ،‬وفي تلك الفترة لم‬        ‫يعني أنه آمن بالإسلام دينا‪ ،‬بل‬    ‫وغير مسلمين يسمون منذ أزمان‬
 ‫ينتجوا عل ًما ولا فلسفة‪ ،‬بينما في‬
  ‫ظل سماحة الإسلام‪ ،‬استطاعوا‬            ‫هو فيلسوف إسلامي بالمعنى‬             ‫فلاسفة الإسلام‪ .‬كما تسمى‬
‫أن يبدعوا علو ًما متنوعة‪ ،‬وفلسفة‬    ‫الثقافي والحضاري‪ .‬وما يسترعي‬         ‫فلسفتهم فلسفة إسلامية بمعنى‬
                                                                           ‫أنها نبتت في بلاد الإسلام وفي‬
      ‫متأثرين في ذلك بالمسلمين‪.‬‬         ‫الانتباه أن كتب ابن ميمون لم‬
     ‫بالرغم من هذه الحقيقة فإن‬          ‫تنشر بالعربية‪ ،‬وهذا ما أشار‬           ‫ظل دولته‪ ،‬وتميزت ببعض‬
   ‫اليهود يقومون بجهود مضنية‬         ‫إليه الشيخ مصطفى عبد الرازق‪،‬‬            ‫الخصائص من غير نظر إلى‬
    ‫على مر التاريخ‪ ،‬ليثبتوا للعالم‬  ‫بقوله «ومن عجب أن ابن ميمون‪،‬‬              ‫دين أصحابها ولا جنسهم‪،‬‬
 ‫أجمع أن تراثهم يهودي خالص‪،‬‬                                                ‫ولا لغتهم»‪ ،‬وإذا كان هناك من‬
 ‫ولا يوجد فيه أي مؤثرات أجنبية‬             ‫وهذا شأنه‪ ،‬لم تنشر كتبه‬       ‫يعتبر حنين بن إسحاق المسيحي‬
     ‫أخرى‪ ،‬وأنهم أبدعوا فلسفة‪،‬‬        ‫بالعربية‪ ،‬ولا درست حياته‪ ،‬ولا‬          ‫من فلاسفة الإسلام‪ ،‬فإنه لا‬
      ‫ليثبتوا للشعوب الأخرى أن‬       ‫مذاهبه‪ ،‬ولا نزال نلتمس أخباره‪،‬‬       ‫وجه للتفرقة بينه وبين موسى‬
 ‫التوراة فيها فلسفة‪ ،‬أفضل عقليًّا‬                                            ‫بن ميمون الإسرائيلي‪ .‬وعليه‬
     ‫من فلسفة اليونان‪ ،‬وأن لهم‬             ‫وآثاره في لغة غير لغتنا»‪.‬‬
 ‫الفضل الكبير على‬                   ‫لا مراء أن حركة التنوير اليهودية‬
     ‫كافة الشعوب‬                    ‫والإصلاحية‪ ،‬اعتمدت على كتاباته‪،‬‬
  ‫التي عاشوا معها‬
   ‫فيما أنتجوه من‬
    ‫حضارات‪ ،‬فهم‬
 ‫الذين أسسوا تلك‬
‫الحضارات‪ ،‬بفضل‬
   ‫تفوقهم الذهني‪،‬‬
  ‫وعبقريتهم الفذة‪،‬‬
    ‫وهم يحاولون‬
     ‫إثبات كل تلك‬
    ‫المزاعم حتى لو‬
      ‫كانت مخالفة‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157