Page 154 - merit
P. 154
العـدد 44 152
أغسطس ٢٠٢2 يعد كتاب تثنية التوراة من
أبرز مؤلفات ابن ميمون الدينية
لليهودية ،وهي أول محاولة الدينية بعد سفره إلى الشام
لتحديد عقائد الدين اليهودي والعراق .فالعقيدة اليهودية والأدبية ،وهو كتاب مبسط،
التي وردت في مقدمة ابن ميمون وفكرة الخالق ،لا يمكن فهمهما ومرجع أساسي لليهود لحد
لكتاب السنهدرين -أحد كتب واستيعابهما في نظر ابن ميمون الآن ،وقد حاول من خلال ثناياه
التلمود ،يتناول تركيب مجلس إلا من خلال الفلسفة الأرسطية، ترتيب التلمود وتبويبه ،وتنظيمه
ووظيفته( ،يدل على المحكمة) -في بعي ًدا عن التفسيرات الأخرى التي وشرحه ،كما جمع فيه جل
كتاب السراج ،وهي تنفي أية هي شكل من أشكال الوثنية، القوانين التلمودية والحاخامية.
حلولية عن الإله ،وعموما فهذه ولذا دعا إلى تلقين الناس (حتى أما كتابه السراج فهو تفسير
الأصول بعينها توضح درجة العوام) التعريف الدقيق للخالق. للمشنا .ونتيجة لما وقع لليهود
تأثر ابن ميمون بأصول الدين، ويبدو أن بعض أقواله ،تحتمل من اضطهاد ألف كتابه «رسالة
النابعة من الثقافة الإسلامية، تأويلات يفهم منها أنها إلحادية، في التحول القهري من دين إلى
وهذا ما دفعه للبحث عن أصول أو تبث الشك في قلوب المؤمنين، آخر» ويسمى أيضا «رسالة في
مماثلة لليهودية بعي ًدا عن الفكر مثل قوله عن جوهر الإله غامض الردة» .ولديه كتاب آخر بعنوان
على الإنسان ،ولا يمكنه فهمه. «رسالة إلى يهود اليمن» .في حين
المسيحي. هناك ما يوحي بأنه لا يؤمن أن أهم كتاباته الفلسفية «رسالة
من المعلوم أن المعتزلة هم أول من بالبعث ،خصو ًصا أن فكرة في المنطق» ،و»رسالة عن البعث»؛
الآخرة ظلت باهتة في اليهودية. أي البعث في العقيدة اليهودية،
وضعوا أصو ًل إيمانية ،ويقصد كما أنه يؤمن بأن النبوة أمر إضافة إلى ذلك فلديه مؤلفات في
بها الأصول الخمسة (أولها يحققه الإنسان من خلال الجهد
العقلي؛ وهذا ما جعل بعض الرياضيات والطب.
التوحيد -ثانيها العدل -ثالثها علماء اليهود يرى أن الأرسطية لكن ما يلفت الانتباه أن كتاب
الوعد والوعيد -رابعها المنزلة الميمونية ،على وجه التحديد تشوه «دلالة الحائرين» من أبرز ما
بين المنزلتين -خامسها الأمر معنى الكتاب المقدس ،وأن ابن ألفه ابن ميمون؛ وقد كتبه باللغة
بالمعروف والنهي عن المنكر)، ميمون يظهر احترا ًما لأرسطو العربية بحروف عبرية ،حتى لا
وبعد ذلك صاغها بشكل آخر ابن أكثر من احترامه لنصوص الكتاب يثير حفيظة المتكلمين الإسلاميين
رشد (الإقرار بالله تبارك وتعالى، المقدس ،أو التراث الحاخامي. الأشاعرة والمعتزلة م ًعاَ ِ ،لا ورد
وبالنبوات ،وبالسعادة الأخروية هذا أسفر عن مواجهة بين فيه من معارضة لآرائهم ،وبعد
والشقاء الأخروي) .وأ ًّيا كان أنصار ابن ميمون وأعدائه؛ ففي ذلك ترجم إلى اللغة العبرية؛ ثم
الأمر فقد توفي موسى بن ميمون عام 1230م ،حاول معارضوه
يوم الاثنين 13ديسمبر 1204م، أن يمنعوا دراسة كتابه «دلالة إلى اللغة اللاتينية.
وقد ُحملت جثته إلى طبرية في الحائرين» ،والأجزاء الفلسفية كتاب «دلالة الحائرين» -الذي
فلسطين ودفن هناك .وعم الحزن في كتاب مشنيه توراة ،والطريف يعد من الكتب المشهورة في القرن
في جميع البلدان التي عاشت فيها في الأمر أن البعض دعا إلى منع الثالث عشر -يشتمل على آراء
طوائف يهودية ،وقيل فيه كثير دراسة كتاباته قبل سن الخامسة دينية وفلسفية وأدبية عديدة،
من الرثاء بشكل يثير الاستغراب؛ ويسعى ابن ميمون من خلاله
حتى ذاع في ذلك الوقت المثل والعشرين. إلى التوفيق بين فلسفة أرسطو،
الآتي« :من موسى إلى موسى لم وضع ابن ميمون ما يعرف واللاهوت اليهودي ،والحق أن
يقم مثل موسى» ،وهو ما أشرنا بالأصول الثلاثة عشر (قواعد هذا الكتاب هو خطاب موجه إلى
الإيمان) ،وتسمى بالعبرية تلميذه يوسف بن عقنين ،نتيجة
إليه في مستهل هذا المقال «شلوشاه عسار عيقاريم» ما أصابه من حيرة في الأمور
---------
* باحث في الفكر العربي
والإسلامي.