Page 153 - merit
P. 153

‫‪151‬‬          ‫تجديد الخطاب‬

‫هرمان كوهين‬  ‫موسى بن ميمون‬                        ‫مصطفى عبد الرازق‬        ‫للحقيقة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والواقع‪.‬‬
                                                                       ‫والحق أن اليهود عمو ًما‪ ،‬تأثروا‬
 ‫اعتنق آراء المتكلمين‪ ،‬ووصل إلى‬      ‫المعروف بشيخ المؤرخين‪ ،‬وأبي‬       ‫تأثي ًرا بال ًغا بالبيئة المحيطة بهم‪،‬‬
    ‫آراء أرسطاطاليس عن طريق‬          ‫المفسرين‪ ،‬والذي عاش في نفس‬
                                    ‫فترته سعديا الفيومي‪ .‬وإذا كان‬         ‫فقد أدت التيارات الروحانية‬
‫المصنفات العربية الإسلامية‪ ،‬مثل‬                                             ‫الإسلامية إلى إثارة الحياة‬
    ‫كتب الغزالي وابن ماجة وابن‬        ‫الطبري على وجه الخصوص‪،‬‬
       ‫طفيل والرازي والفارابي‪.‬‬       ‫قد ركز في تفسيره بالمأثور على‬      ‫الروحية لليهود في البلاد التي‬
    ‫أ َّيا كان الأمر فإن موسى بن‬   ‫أقوال السلف‪ ،‬معتم ًدا في ذلك على‬        ‫امتد إليها الحكم الإسلامي‪،‬‬
                                    ‫الرواية والسند‪ ،‬فإن الفيومي لم‬
‫ميمون يبقى أعظم فلاسفة اليهود‬      ‫يفعل ذلك‪ ،‬لكنه عارض مثلما فعل‬      ‫ونقلت المسائل الدينية التي كانت‬
    ‫قاطبة‪ ،‬وهذ ما أكده إسرائيل‬     ‫الطبري فكرة التجسيم‪ ،‬والتشبيه‬      ‫سائدة في المدارس الإسلامية إلى‬
    ‫ولفنسون بقوله «ولسنا نعلم‬                                        ‫مدارس حاخامات اليهود‪ ،‬للإجابة‬
                                                        ‫في التوراة‪.‬‬   ‫عن المشاكل‪ ،‬والمسائل المفروضة‬
  ‫رج ًل آخر من أبناء جلدتنا غير‬        ‫أما في مجال العلوم الطبيعية‪،‬‬
   ‫ابن ميمون قد تأثر بالحضارة‬           ‫والفلسفية عند اليهود فتكاد‬      ‫عليهم‪ ،‬وعليه فقد اتخذ اليهود‬
  ‫الإسلامية تأث ًرا بالغ الحد حتى‬     ‫تنحصر كلها في بلاد الإسلام؛‬      ‫لأنفسهم المناهج العلمية العربية‬
  ‫بدت آثاره‪ ،‬وظهرت صبغته في‬             ‫حيث كان المقيمون في البلاد‬    ‫فيما يتعلق بالدين‪ ،‬والأخلاقيات‪،‬‬
                                      ‫المسيحية في العصور الوسطى‬
     ‫مدوناته من مصنفات كبيرة‬                                             ‫والنحو‪ ،‬وتفاسير التوراة‪ ،‬بل‬
     ‫ورسائل صغيرة»‪ ،‬ولقد بلغ‬             ‫محتقرين تنخر في عقولهم‬              ‫أي ًضا في مجال الشريعة‪.‬‬
 ‫من تأثير الفكر الفلسفي العربي‬        ‫الخرافات‪ ،‬وهذا بطبيعة الحال‬           ‫فكتاب «مشناتوراه‪ ،‬تثنية‬
                                    ‫لن يؤدي إلى الخوض في المسائل‬
      ‫الإسلامي أن عد الباحثون‬           ‫العلمية‪ .‬ولا غرو أن أول من‬   ‫التوراة» أي «تعاليم التوراة» الذي‬
  ‫المسلمون ‪-‬كما أشرنا إلى ذلك‪-‬‬        ‫اتصل بالفلسفة الإسلامية من‬       ‫يمثل حجر الزاوية في الشريعة‬
                                       ‫اليهود سعديا الفيومي‪ ،‬الذي‬        ‫اليهودية‪ ،‬بترتيبه وبنائه‪ ،‬كما‬
    ‫رج ًل مثل موسى بن ميمون‬                                            ‫ذهب جولد تسيهر‪ ،‬ليس سوى‬
      ‫كواحد من فلاسفة العرب‪،‬‬                                          ‫ترتيب لمواد الشريعة الإسلامية‪،‬‬
             ‫وفلاسفة الإسلام‪.‬‬                                         ‫وفق النظام الذي وضعه‪ ،‬وسار‬
                                                                                 ‫عليه فقهاء المسلمين‪.‬‬
                                                                         ‫أما في مجال تفاسير التوراة‪،‬‬
                                                                       ‫فنجد أن حركة التفسير الديني‬
                                                                            ‫اليهودي‪ ،‬ازدهرت في ظل‬
                                                                       ‫الحضارة الإسلامية‪ ،‬خاصة في‬
                                                                         ‫العراق والأندلس؛ حيث ظهر‬
                                                                           ‫أبرز فقهاء اليهود‪ ،‬كسعديا‬
                                                                         ‫الفيومي (‪330 -268‬هـ) في‬

                                                                     ‫بغداد‪ ،‬و مروان بن جناح (‪-990‬‬
                                                                       ‫‪1050‬م)‪ ،‬وغيرهما في الأندلس‪.‬‬
                                                                           ‫هكذا َترجم سعديا الفيومي‬
                                                                           ‫التوراة إلى العربية‪ ،‬وشرح‬
                                                                      ‫أسفارها‪ ،‬وفق المنهج الإسلامي‪،‬‬
                                                                          ‫المعتمد على التفسير بالمأثور‬
                                                                       ‫الذي يمثله أبو جعفر محمد بن‬
                                                                       ‫جرير الطبري (‪310 -224‬هـ)‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158