Page 206 - merit
P. 206

‫العـدد ‪44‬‬                            ‫‪204‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬                            ‫لكن انعدام الحفر المعرفي‬
                                                                    ‫‪-‬لغير سبب‪ -‬جعل عملية‬
 ‫العام‪ ،‬وتختلف في التفاصيل‬     ‫المُجتبى‪ -‬سدى العمل ولحمته‪،‬‬        ‫التتبع ‪-‬بهدف معرفة حجم‬
  ‫الصغيرة‪ ،‬أي في ما ندعوه‬         ‫ذلك أن تنازع البشر ‪-‬على‬         ‫التغيير الذي طال المتن‪ -‬على‬
    ‫بخصوصية كل جماعة‪.‬‬            ‫اختلاف مواقعهم وأهوائهم‬        ‫درجة كبيرة من الصعوبة‪ ،‬إن‬
                                                                   ‫لم تكن في حكم الاستحالة‪،‬‬
‫الخاني والهم القومي‬            ‫وبالتالي مصالحهم‪ -‬أسهم في‬        ‫بقي أن نشير ‪-‬في هذا الجانب‪،‬‬
                                 ‫إنارة الموضوعات المطروحة‬          ‫حر ًصا على الأمانة في طرح‬
 ‫أما التركيز على الهم القومي‬       ‫داخل النص بكافة أبعادها‬          ‫الموضوعة‪ -‬إلى أننا ‪-‬على‬
   ‫في نص الخاني‪ ،‬باعتباره‬            ‫من جهة‪« ،‬الصراع بين‬         ‫الرغم من البحث المضني‪ -‬لم‬
   ‫النص الأكثر شهرة‪ ،‬ذلك‬          ‫الأمير زين الدين ومم على‬       ‫نقع على الروايات التي انبرت‬
  ‫التركيز الذي جاء في أغلب‬      ‫سبيل المثال»‪ ،‬ما أكسب المتن‬       ‫لصياغة هذه الملحمة‪ ،‬إلا تلك‬
     ‫المباحث المعاصرة‪ ،‬التي‬     ‫تصاع ًدا دراميًّا ضافيًا‪ ،‬ولعل‬   ‫التي قام الأديب جان دوست‬
  ‫انبرت لدراسة ملحمة «مم‬        ‫تلمس ذلك التوزع يبدو أكثر‬
  ‫وزين»‪ ،‬فإننا نختلف معها‬                                                       ‫بصياغتها!‬
                               ‫وضو ًحا عندما ينتقل الصراع‬
 ‫بعض الاختلاف‪ ،‬ليس لجهة‬        ‫إلى النفس البشرية ذاتها‪ ،‬التي‬     ‫بين الملحمة والواقع‬
  ‫نفي ذلك الهم تما ًما‪ ،‬وإنما‬                                        ‫الموضوعي‬
  ‫لجهة موقعه من النص‪ ،‬أو‬          ‫تقوم على التقاء الأضداد أو‬
 ‫انسجامه في وحدة عضوية‪.‬‬          ‫تصارعها» تمزق الأمير زين‬          ‫أما حتا َم استطاعت ملحمة‬
     ‫وبعودة متأنية إلى المتن‬    ‫الدين بين عاطفة الأخوة نحو‬       ‫«مم وزين» أن تعكس أخلاق‬
  ‫سيلاحظ الدارس بأن الهم‬       ‫شقيقته زين‪ ،‬وكبريائه الطبقي‬
    ‫القومي عند الخاني جاء‬      ‫الذي يمنعه من تحقيق رغبتها‬           ‫أناسها وعاداتهم ونظمهم‬
 ‫على لسانه في المقدمة‪ ،‬وذلك‬                                          ‫وعقائدهم‪ ،‬فلاشك في أن‬
 ‫تحت إلحاف رغبته الشديدة‬                ‫في الاقتران بـ»مم»!‬
      ‫في وضع كتاب خاص‬             ‫وإذا كان د‪.‬نور الدين ظاظا‬           ‫النصوص التي تصدت‬
    ‫بالأكراد ‪-‬أسوة بغيرهم‬      ‫قد أشار في تقديمه القيم لنص‬          ‫لروايتها ‪-‬على اختلافها‪-‬‬
   ‫من الشعوب‪ -‬يتغنون به‪،‬‬        ‫«مم وزين» ‪-‬استقاه من تلك‬        ‫تمكنت من أن تصور ‪-‬إلى حد‬
     ‫ويتباهون به أمام الأمم‬     ‫المطولات الغنائية التي تناقلها‬    ‫بعيد‪ -‬حياة أولئك البشر في‬
                 ‫الأخرى‪.‬‬        ‫الأكراد على مر العصور‪ -‬إلى‬        ‫أوجهها المختلفات‪ ،‬بما ُيمكن‬
 ‫لقد تصدى الخاني لانقسام‬         ‫مسألة بالغة الأهمية‪ ،‬تجلت‬      ‫الدارس من استخلاص طبيعة‬
  ‫الصف الكردي‪ ،‬ورأى فيه‬                                          ‫العلاقة بين الحاكم والمحكوم‬
 ‫سببًا لمحنتهم‪ ،‬ولو قدر لهم‬         ‫في ملاحظته للتشابه بين‬        ‫مث ًل‪ ،‬أو الوقوف على عادات‬
                               ‫ملحمة «مم وزين» وقصة حب‬             ‫هؤلاء البشر وطقوسهم في‬
‫أن يتجاوزوه‪ ،‬إ ًذا لدان ‪-‬لهم‬                                      ‫الأعياد والأعراس والمآتم أو‬
‫كما يرى‪ -‬الآخرون بالطاعة‪،‬‬        ‫اسكندنافية‪ ،‬ما يذهب إلى أن‬      ‫المناسبات المختلفة‪ ،‬أو تقصي‬
                               ‫الفكر البشري يكاد أن يتطابق‬         ‫مفهومهم للصداقة والحب‬
  ‫بيد أن متن «مم وزين» لم‬                                            ‫والموت‪ ،‬أو حالة المرأة في‬
 ‫يأت على طبيعة العلاقة بين‬       ‫في إطاره العام‪ ،‬أو في تشابه‬    ‫المُجتمع الكردي‪ ،‬وذلك بالاتكاء‬
                                 ‫مفرداته في الحد الأدنى‪ ،‬فلا‬       ‫على ثنائية الخير والشر في‬
     ‫إمارة بوطان والإمارات‬       ‫يسعنا ‪-‬في هذا الجانب‪ -‬إلا‬          ‫ثنايا النفس البشرية‪ ،‬تلك‬
    ‫الأخرى‪ ،‬ربما بسبب من‬        ‫أن ُنؤ ِّمن على فكرته تلك‪ ،‬من‬        ‫الثنائية التي شكلت ‪-‬في‬
 ‫طبيعة الحكاية ذاتها‪ ،‬وحتى‬
‫حين تطرق الخاني إلى النصر‬          ‫خلال الدعوة إلى استعادة‬
   ‫الذي حققه تاج الدين على‬     ‫قصة «قيس وليلى» و»سيامند‬
                               ‫وخجي» و»روميو وجولييت»‪،‬‬

                                    ‫ذلك أن استعادة من هذا‬
                                  ‫النوع ستضعنا أمام متون‬
                                  ‫تتشابه في الفحوى والمبنى‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211