Page 21 - m
P. 21

‫افتتاحية ‪1 9‬‬

   ‫يا رسول الله صلى الله عليك‪ ،‬رأيت ربك؟‬       ‫(المعراج) أهم من (الإسراء)‪ ،‬فالثاني انتقال‬
  ‫قال‪ :‬رأيته بفؤادي مرتين ثم قرأ‪ :‬ما كذب‬         ‫بين مكانين على الأرض‪ ،‬والمعجزة هنا في‬
   ‫الفؤاد ما رأى‪ .‬وقول ثالث أنه رأى جلاله‬        ‫(زمن الانتقال) فقط‪ ،‬فبينما يحتاج شه ًرا‬
    ‫وعظمته‪ ،‬قاله الحسن‪ .‬وروى أبو العالية‬
 ‫قال‪ُ :‬سئل رسول الله‪ :‬هل رأيت ربك؟ قال‪:‬‬        ‫بأدوات زمنه‪ ،‬فإنه مع المعراج حدث في ليلة‬
 ‫رأيت نه ًرا ورأيت وراء النهر حجا ًبا ورأيت‬     ‫واحدة أو بعض ليلة‪ ،‬ويقال إن النبي حين‬

     ‫وراء الحجاب نو ًرا لم أر غير ذلك‪ .‬وفي‬                        ‫عاد وجد فراشه دافئًا!‬
‫صحيح مسلم عن أبي ذر قال‪ :‬سألت رسول‬                ‫لكن ال ُّش َّراح يستدلون على المعراج ‪-‬كما‬
‫الله هل رأيت ربك؟ قال‪ :‬نور أنى أراه المعنى‬     ‫ذكرت‪ -‬بسورة النجم “وهو بالأفق الأعلى‪،‬‬
                                                 ‫ثم دنا فتدلى‪ ،‬فكان قاب قوسين أو أدنى‪،‬‬
  ‫غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من‬         ‫فأوحى إلى عبده ما أوحى‪ ،‬ما كذب الفؤاد‬
                                 ‫رؤيته”‪.‬‬        ‫ما رأى”‪ ،‬وتفسير القرطبي لآية “ما كذب‬
                                                   ‫الفؤاد ما رأى” فيها اختلاف كبير بين‬
  ‫هذه الفقرة الواحدة من القرطبي تقدم عدة‬       ‫الأولين حول رؤية النبي لله ‪-‬بما أنه صعد‬
   ‫أشكال لرؤية محمد لله‪ :‬بقلبه (ابن عباس‬        ‫إلى سدرة المنتهى وتلقى منه تكليفات‪ ،-‬إن‬
 ‫وأبو ذر وجماعة) أم بعينه (أنس وجماعة)‪،‬‬           ‫كانت رؤية بالعين أم بالقلب‪(“ :‬ما كذب‬
   ‫واللافت أن النبي نفسه ُيروى عنه أربعة‬           ‫الفؤاد ما رأى) أي لم يكذب قلب محمد‬
                                               ‫(ص) ليلة المعراج‪ ،‬وذلك أن الله تعالى جعل‬
                 ‫أشكال مختلفة من الرؤية‪:‬‬       ‫بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل‬
                  ‫‪ -1‬رأيته بفؤادي مرتين‪.‬‬          ‫الله تلك رؤية‪ .‬وقيل‪ :‬كانت رؤية حقيقة‬
                  ‫‪ -2‬رأى جلاله وعظمته‪.‬‬         ‫بالبصر‪ .‬والأول مروي عن ابن عباس‪ .‬وفي‬
    ‫‪ -3‬رأيت نه ًرا ورأيت وراء النهر حجا ًبا‬     ‫صحيح مسلم أنه رآه بقلبه‪ .‬وهو قول أبي‬
                ‫ورأيت وراء الحجاب نو ًرا‪.‬‬          ‫ذر وجماعة من الصحابة‪ .‬والثاني قول‬
    ‫‪ -4‬نور أنى أراه المعنى غلبني من النور‬         ‫أنس وجماعة‪ .‬وروي عن ابن عباس‬
          ‫وبهرني منه ما منعني من رؤيته‪.‬‬        ‫أي ًضا أنه قال‪ :‬أتعجبون أن تكون‬
    ‫وبالطبع لم ير ِو لنا أي مصدر عن كيفية‬     ‫الخلة لإبراهيم‪ ،‬والكلام لموسى‪،‬‬
     ‫عودة النبي من السماء التي صعد إليها‬         ‫والرؤية لمحمد (لاحظ هنا أن‬
 ‫بالبراق‪ ،‬المنطقي أنه عاد بالبراق كما صعد‪،‬‬       ‫التوراة تقول إن موسى رأى‬
    ‫لكن‪ :‬هل نزل البراق من السماء إلى بيت‬          ‫الله وهو يكلمه‪ ،‬بل إنه نزل‬
      ‫النبي مباشرة؟ وإذا كان البراق حقيقة‬         ‫إلى بني إسرائيل بذاته وقرأ‬
 ‫ملموسة‪ :‬هل رآه أحد غير النبي؟ وهل رأى‬          ‫عليهم الوصايا العشر‪ ،‬وسلم‬
‫النب َّي أح ٌد أص ًل وهو يخرج من بيته أو وهو‬  ‫موسى «بيده» لوحين حجريين‬
                                              ‫مكتو ًبا عليهما الوصايا)‪ .‬وروي‬
                                  ‫يدخله؟‬        ‫عن ابن عباس أي ًضا أنه قال‪:‬‬
  ‫ويستدل ال ُّشراح على صحة واقعة الإسراء‬          ‫أما نحن بني هاشم فنقول‬
‫والمعراج بأن النبي أجاب الكفار عن أسئلتهم‬         ‫إن محم ًدا رأى ربه مرتين‪.‬‬
                                                 ‫وقد مضى القول في هذا في‬
     ‫عما رآه في طريقه‪ ،‬وقد تبين أن ما قاله‬      ‫(الأنعام) عند قوله‪ :‬لا تدركه‬
 ‫تحقق‪ ،‬كما ذكر البيهقي بإسناد صحيح عن‬           ‫الأبصار وهو يدرك الأبصار‪.‬‬
 ‫شداد بن أوس «فقال المشركون‪ :‬انظروا إلى‬         ‫وروى محمد بن كعب قال‪ :‬قلنا‬

    ‫ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس‬
 ‫الليلة»‪ .‬قال‪ :‬فقال‪« :‬إن من آية ما أقول لكم‬

    ‫أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا قد‬
‫أضلوا بعيرا لهم فجمعه فلان‪ ،‬وإن مسيرهم‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26