Page 23 - m
P. 23

‫افتتاحية ‪2 1‬‬

             ‫***‬                                ‫آدم‪ ،‬فأحب أن تزداد عم ًل فأتاه خليل له من‬
                                                   ‫الملائكة‪ ،‬فقال‪ :‬إن الله أوحى إل َّي كذا وكذا‪،‬‬
    ‫ما ذكرته هنا ليس إثبا ًتا ولا نفيًا لحادثة‬     ‫فكلم لي ملك الموت‪ ،‬فليؤخرني حتى أزداد‬
 ‫الإسراء والمعراج‪ ،‬فهذه الكتابة ليست معنية‬         ‫عم ًل فحمله بين جناحيه‪ ،‬ثم صعد به إلى‬
 ‫بالإثبات والنفي قدر عنايتها بطرح الأسئلة‬        ‫السماء‪ ،‬فلما كان في السماء الرابعة‪ ،‬تلقاهم‬

    ‫العقلانية المشروعة من داخل السرديات‬          ‫ملك الموت منحد ًرا‪ ،‬فكلم ملك الموت في الذي‬
        ‫الإسلامية نفسها‪ ،‬فتلك الأسئلة ‪-‬في‬       ‫كلمه فيه إدريس‪ ،‬فقال‪ :‬وأين إدريس؟ فقال‪:‬‬

   ‫الحقيقة‪ -‬ليست أسئلة مستحدثة لعصرنا‬             ‫هو ذا على ظهري‪ ،‬قال ملك الموت‪ :‬فالعجب‬
   ‫فقط‪ ،‬ولكنها أسئلة الأولين أنفسهم الذين‬       ‫بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة‪،‬‬
    ‫سألوا النبي عن أشياء لو سألناها اليوم‬        ‫فجعلت أقول‪ :‬كيف أقبض روحه في السماء‬
‫لاع ُتبرنا ُمن ِكرين‪ ،‬مثل سؤال‪ :‬هل رأيت ربك؟‬
   ‫وأسئلة إشكالية أخرى كثيرة أوردتها في‬               ‫الرابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه‬
                                                                                  ‫هناك”‪.‬‬
                         ‫الفصول السابقة‪.‬‬
      ‫ما استوقفني‪ ،‬واستوقف كثيرين قبلي‬                ‫وحسب الحديث الذي أورده البخاري‬
    ‫في مسألة الإسراء والمعراج‪ ،‬أنها لم تأ ِت‬        ‫(‪( )3207‬حديث صحيح)‪ ،‬عن مالك بن‬
    ‫واضحة في القرآن‪ ،‬ففي آية الإسراء قال‬           ‫صعصعة الأنصاري‪ ،‬قال‪« :‬فأتينا السماء‬
     ‫تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده» ولم‬              ‫الرابعة‪ ،‬قيل‪ :‬من هذا؟ قال‪ :‬جبريل‪ ،‬قيل‪:‬‬
    ‫يخصص محمد أو غيره‪ ،‬وكون السورة‬               ‫من معك؟ قيل محمد‪ ،‬قيل‪ :‬وقد أرسل إليه؟‬
‫مخصصة لقصص بني إسرائيل‪ ،‬وكون أمر‬                ‫قيل‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬مرحبا به ولنعم المجيء جاء‪،‬‬
 ‫الإسراء ألقي على موسى في مواضع أخرى‪،‬‬                ‫فأتيت على إدريس‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
     ‫فإن الاعتقاد بأن (هاء عبده) عائدة على‬
  ‫موسى محل نظر‪ ،‬إن لم تكن محل اعتبار‪.‬‬                             ‫مرحبا بك من أخ ونبي”‪.‬‬
       ‫أيضا فإن عدم ذكر كلمة المعراج أب ًدا‪،‬‬      ‫كذلك حلُ َم النبي يعقوب ب ُسلَّ ٍم بين الأرض‬
     ‫ومحاولة تأويل آيات من سورة النجم‪،‬‬            ‫والسماء وأن (الرب) يكلمه‪ ،‬وفي الروايات‬
     ‫تعد ليًّا لهذه الآيات ووضعها في سياق‬
      ‫ليس سياقها‪ ،‬كما أن التفصيل الدقيق‬              ‫الدينية فإن رؤيا الأنبياء حق‪ ،‬فقد ورد‬
       ‫‪-‬خطوة بخطوة‪ -‬في الأحاديث‪ ،‬يذ ِّكر‬            ‫في سفر التكوين (‪“ :)15-10 :28‬فخرج‬
   ‫الباحث بالتفصيل الدقيق في التوراة حول‬            ‫يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران‪.‬‬
‫موضوعات مختلفة‪ ،‬منها صعود النبي إيليا‪،‬‬               ‫وصادف مكا ًنا وبات هناك لأن الشمس‬
‫التي أشرت إليها‪ .‬وإيليا هو إلياس الذي ُذكر‬           ‫كانت قد غابت‪ ،‬وأخذ من حجارة المكان‬
    ‫في القرآن‪« :‬وإن إلياس لمن المرسلين‪ /‬إذ‬           ‫ووضعه تحت رأسه‪ ،‬فاضطجع في ذلك‬
‫قال لقومه ألا تتقون‪ /‬أتدعون بع ًل وتذرون‬          ‫المكان‪ .‬ورأى حل ًما‪ ،‬وإذا سلم منصوبة على‬
    ‫أحسن الخالقين‪ /‬الله ربكم ورب آبائكم‬         ‫الأرض ورأسها يمس السماء‪ ،‬وهوذا ملائكة‬
‫الأولين‪ /‬فكذبوه فإنهم لمحضرون‪ /‬إلا عباد‬         ‫الله صاعدة ونازلة عليها‪ .‬وهوذا الرب واقف‬
   ‫الله المخلصين‪ /‬وتركنا عليه في الآخرين‪/‬‬        ‫عليها‪ ،‬فقال‪“ :‬أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله‬
      ‫سلام على إل ياسين‪ /‬إنا كذلك نجزي‬             ‫إسحاق‪ .‬الأرض التي أنت مضطجع عليها‬
                                                   ‫أعطيها لك ولنسلك‪ .‬ويكون نسلك كتراب‬
        ‫المحسنين” (الصافات‪.)131 -123 :‬‬          ‫الأرض‪ ،‬وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا‪،‬‬
  ‫ويلاحظ أن إيليا أو إلياس لم يترك معجزة‬        ‫ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض‪.‬‬
  ‫من معجزات الأنبياء المعروفين إلا وفعلها‪:‬‬       ‫وها أنا معك‪ ،‬وأحفظك حيثما تذهب‪ ،‬وأردك‬
                                                ‫إلى هذه الأرض‪ ،‬لأني لا أتركك حتى أفعل ما‬

                                                                               ‫كلمتك به»‪.‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28