Page 26 - m
P. 26
العـدد 59 24
نوفمبر ٢٠٢3
جمال القصاص
شعرية الخلاص بالأسطورة
محمد فريد أبو سعدة يلعب
على أقنعتها
في «ذاكرة الوعل»
إن النص بهذا الخلوص يبدأ من حيث انتهى .ويذكرنا هذا بفكرة
العود الأبدي النيتشوية ،حيث لا تجد الذات خلاصها من عبثية الواقع
وضغوطه إلا بالعودة إلى الرحم الأم ،والذي تجسده الأسطورة .فهناك
يمكن أن يقابل العاشق أقرانه ونظراءه ،من أصحاب المعرفة اللدنية:
الخضر ،الحلاج ،ابن عربي ،البسطامي ،ال َّسهر وردي ..وغيرهم .وكأنه
ليس ثمة مقدرة للحب على الصمود في مواجهة الواقع الحي ،بل ليس
ثمة طريق للخلاص إلا بذوبان الذات وفنائها ،في جسد أسطورة خرافية،
تختلط معايير صدقها بكذبها.
الخرافية ،وتحولات العاشق الذي يضفي عليه تشكل الأسطورة أحد المصادر المهمة والملهمة
النص صفة الفعالية المطلقة ،حتى في لحظات
في تجربة الشاعر محمد فريد أبو سعدة ،وتراوح
خموده ودورانه العبثي حول ذاته. ما بين الثقل والخفة ،مشكلة مرآة خاصة يطل من
خلالها على ذاته وعالمه الشعري ،من منظور أبعد،
سمات ميثولوجية مفتو ًحا على الأشياء واللعب معها بحيوية طفل لا
يخايل النص الأسطورة «الأويزرية» ،إحدى أساطير يكف عن المغامرة والتجريب.
الخلق الشهيرة في الميثولوجيا الفرعونية ،ويتقاطع يبرز التجلي الأعمق للعب مع الأسطورة في ديوانه
«ذاكرة الوعل» الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب.
معها الى حد التماثل ،لكنه -برعم ذلك -يحرص على حيث استطاع تشييد طقسية شعرية موازية ،تتنوع
عدم روايتها وتكرارها كأصل ،بل يح ِّور ويه ِّشر
ملامحها وسماتها الميثولوجية ،لتشييد طقس فيها الصيغ والأساليب والرؤى الفنية سواء في
ميثولوجي مغاير. علاقة النص بالزمان والمكان ،وبأقنعة الأسطورة
والتاريخ والسيرة الذاتية ،وكذلك الرقى والتعاويذ