Page 29 - m
P. 29

‫‪27‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫التراثي‪ ،‬بل إننا لا نستطيع أن نفرق بين حدود‬       ‫سب ًعا ثم نخسه بين ثدييه فغاب برهة وصبت‬
             ‫الطقوس‪ ،‬وحدود الأسطورة نفسها‪.‬‬           ‫عليه من الماء النائم فانتبه وقال‪ :‬طعم الماء في‬

‫لكن النص في كليته‪ ،‬أو بالأحرى‪ ،‬في دلالته الأعمق‬                                           ‫فمي‬
 ‫يشير دائ ًما إلى اكتمال العاشق‪ ،‬كما أن وعيه بذاته‬       ‫ثم فعل به مرة ثانية وفعلت فانتبه‬
‫لا يتم بخرق زمن الأسطورة الأويزرية الأم القديم‪،‬‬
                                                                                      ‫وقال‪:‬‬
    ‫وتقطيع وتفكيك أوصالها المادية من أجل إعادة‬                            ‫كل شيء برائحته‬
                          ‫تشكيلها بروح جديدة‪.‬‬           ‫وفعل به ثالثة فشهق وقال‪ :‬العالم‬

    ‫يعزز ذلك أن محنة الفقد المستمرة بين العاشق‬                                  ‫جسدي»‪.‬‬
‫والمعشوقة‪ ،‬تتبدى وكأنها نوع من الوجود المع َّطل‪،‬‬
                                                            ‫دلالة السقوط‬
    ‫بين الأسطورة والنص من ناحية‪ ،‬وبين النص‬
  ‫وفكرة الديمومة من ناحية أخرى‪ .‬فالنص مفتون‬            ‫يتمركز فعل السقوط بدلالته الأويزرية‬
 ‫بالأسطورة الأويزرية إلى حد أنها تشكل لا وعيه‪،‬‬             ‫حول الجسد وأشلائه التي تلملمها‬
   ‫وفي الوقت نفسه تحيل وعيه الملموس إلى منطقة‬              ‫العاشقة من كل اتجاه‪ ،‬وتحملها على‬
   ‫الظل الدائم المشاكس لها‪ .‬ولا يستطيع النص أن‬
                                                        ‫كاهلها كتميمة‪ ،‬وكنوع من الألم المخلص‬
    ‫يشكل ديمومته الخاصة بمعزل عن الأسطورة‪،‬‬          ‫المط ِّهر‪ ،‬تتحصن به ضد شعور خفي بالإحباط‬
   ‫لأنها تظل محور الجذب لكل فعالياته وتجلياته‪.‬‬
                                                                                       ‫والتواطؤ‪.‬‬
      ‫إن هذا التراكب والتراتب يهيمنان على النص‪،‬‬      ‫وتظل لحظة الخلاص‪ ،‬أو الحلم بالعاشق فارغة‬
       ‫خاصة في فصوله الأولى‪ .‬ونلاحظ أن شبكة‬           ‫من أية دلالة ومعنى‪ ،‬طالما لم يست ِو العاشق على‬
‫الطقوس المتناثرة في مداخل ومخارج النص تحاول‬
    ‫خلق مسافة ما‪ ،‬بين الأنا والأسطورة‪ ،‬لإكساب‬            ‫جسده‪ ،‬ويقذف بذور غواياته الملتبسة في رحم‬
‫حركة العاشق والمعشوقة نو ًعا من التخفف من ثقل‬                         ‫الأسطورة والعناصر والأشياء‪.‬‬
 ‫الأسطورة والتعالي النفسي عليها‪ .‬ثم إن تحررهما‬
  ‫الكامل جسد ًّيا وروحيًّا من سطوة الأسطورة لن‬      ‫هنا يصل النص في تعامله مع الأسطورة الأويزرية‬
 ‫يتم إلا بامتلاكهما إمكانية التعايش معها‪ ،‬حتى في‬    ‫إلى درجة من التوافق والتوحد بها‪ ،‬خاصة حين‬
  ‫نسيج الواقع المادي (الأرضي)‪ ،‬هذا الواقع الذي‬
 ‫يطمح النص في تحويله الى شكل مواز للأسطورة‬            ‫تتناظر ‪-‬دلاليًّا‪ -‬الإشارات والإيماءات‬
                                                        ‫الطقوسية في النص مع شكل‬
                                        ‫نفسها‪.‬‬             ‫ومضمون الأسطورة‬
      ‫«المرايا تكررها باندهاش‪ ،‬وتنوي إذا جاء‬

                                      ‫عاشقها‪،‬‬
 ‫أن تس َّر له بكنوز مخ َّبأة وتقود يديه إلى جسد‬

                                            ‫لم‬
 ‫يبح بعد‪ ،‬سوف تقول له إنها منذ كورها الله لم‬

   ‫تتوضأ بماء أنوثتها‪ ،‬سوف تعلن أن الزمان‬
   ‫مضى في انتظارك كيما تضيء‪ ،‬وتمحو بماء‬

               ‫الذكورة ما ظ َّل من طين ُس َّرته»‪.‬‬

            ‫آليات التناص‬

    ‫يلعب النص على التناص‪ ،‬ممزو ًجا بشرائح من‬
     ‫«الكولاج» مستقاة من مشاهد الواقع اليومي‪،‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34