Page 33 - m
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                         ‫فقط‪ .‬عندما قبل ُت يدها‬        ‫الأسطورة‪ ،‬يفككها لترتد إلى لبناتها الأولى؛ وحين‬
            ‫وجد ُت نفسي أحلِّق في سماء الغرفة‬            ‫يج ِّمعها يكتشف إمكانية الدخول والخروج منها‬
                                                         ‫وإليها وعليها‪ ،‬بسلاسة وعفوية‪ .‬وحين يستوي‬
                                ‫وكانت تضحك‬               ‫العاشق على جسده‪ ،‬ويستعيد فعاليته الإنسانية‬
                         ‫وكلما حاول ْت الاقتراب‬           ‫بالمعشوقة تتراجع الأسطورة إلى خلفية النص‪،‬‬
                       ‫أصطدم بزجاج شفاف»‪.‬‬                  ‫وتومض في شكل أطياف ونثارات مشتتة على‬
‫إن الطابع الكوسمولوجي يهيمن على النص‪ ،‬وتتغير‬
‫دلالاته طقسيًّا وواقعيًّا من يوم لآخر‪ .‬وتتضافر مع‬      ‫السطح‪ .‬وبمعنى آخر تصبح الأسطورة دورة على‬
  ‫التناصات المتعاقبة بشكلها المباشر وغير المباشر‪،‬‬                                        ‫زمن مضى‪.‬‬
  ‫والتي يعيد إنتاجها النص ‪-‬غالبًا‪ -‬بشكل عكسي‬
     ‫يؤكد الاختلاف والمغايرة‪ .‬ففي السيرة الذاتية‬       ‫يكسر النص السياق السردي للأسطورة بإحالتها‬
      ‫للعاشق يبرز ما يمكن تسميته بـ»شخصانية‬            ‫إلى منظومة من الأرقام والتعاويذ وال ِحزم الزمنية‬
   ‫التماثل»‪ ،‬حيث نشم رائحة‪ :‬امرؤ القيس‪ ،‬هملت‪،‬‬         ‫التي تضرب في حنايا الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬
   ‫دون كيشوت‪ ،‬رابعة العدوية‪ ،‬بلقيس‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬
‫كما أن الصيغ المتباينة للتعاويذ وال ُّرقى التي تتخلل‬       ‫حينئذ تتجلى فعاليته‪ ،‬بينما تتحول الأسطورة‬
     ‫المتوالية الزمنية لأيام الأسبوع‪ ،‬وما ترشح به‬       ‫إلى مجرد عنصر محايد‪ ،‬مضمر في نسيج السرد‬
‫أي ًضا من تماثلات متقاربة ومتضادة في الميثولوجيا‬
     ‫الدينية على وجه الخصوص‪ ،‬تساهم في إيجاد‬                                 ‫وحركة الذوات والعناصر‪.‬‬
     ‫نواظم دلالية‪ ،‬لها طابع اللُّحمة الموسيقية‪ ،‬بين‬                               ‫«هكذا رتب ُت المشهد‬
   ‫رخاوة النثر وصرامة التفعيلة‪ ،‬ما يشي بالأوجه‬
                                                                          ‫ومضى كل شيء كما قدرت‬
                             ‫المتعددة للأسطورة‪.‬‬
      ‫من مظاهر هذه النواظم أن لكل يوم تعويذته‬
   ‫و ُخدامه‪ ،‬وأعوانه‪ ،‬وألويته‪ ،‬وملاكه الخاص‪ .‬كما‬
 ‫أن لهذه النواظم فعاليتها وحركيتها الخاصة‪ ،‬ومع‬
 ‫ذلك لا تنفلت عن فلك الدورة الزمنية التي يصنعها‬
  ‫النص‪ .‬وهي دورة مرنة ومراوغة‪ ،‬لا تستطيع أن‬
  ‫نقبض في مساراتها على مركزية محددة للإيقاع‪،‬‬
       ‫فهو دائ ًما في حالة من التشظي‪ ،‬بين الداخل‬
    ‫والخارج‪ ،‬الماضي والحاضر‪ ،‬الذات والموضوع‪،‬‬
     ‫الأرض والسماء‪ ،‬الروح والجسد‪ ،‬وبين النص‬

                                   ‫والأسطورة‪.‬‬
    ‫ينعكس هذا على شكل إخراج النص جرافيكيًّا‪،‬‬
 ‫حيث تتغير أبناط الكتابة في بعض مواضع محددة‬
  ‫من النص‪ .‬وفي تصوري أن مبرر هذا ليس إبراز‬
     ‫الفضاء البصري للنص فحسب‪ ،‬وإنما أسا ًسا‬
    ‫لإبراز تنوع ال ِحيل الفنية‪ ،‬في لقطات مكثفة‪ ،‬لها‬
  ‫‪-‬أحيا ًنا‪ -‬وقع المونولوج المسرحي‪ ،‬ون َفس السرد‬
   ‫الروائي‪ ،‬وأحيا ًنا أخرى تشبه المشهد السينمائي‬

                                      ‫الخاطف‪.‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38