Page 31 - m
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الواقع والأسطورة ،لكن تظل دائ ًما هناك حدود نفسه ،كذلك تتماهى تحولات الجسد مع تحولات
واضحة وفاصلة بين المضمون الرمزي للأسطورة، الأسطورة ،ويبدو كلاهما وكأنه يفتش عن وجوده
والمضمون الواقعي للواقع .كما لا يمكن أن نفسر في الآخر ،ويمنحه -على مدار كل يوم من أيام
سعي العاشق اللاهث -في النص -لاستوائه على الأسبوع -فرصة البدء من جديد ،وإعادة الرؤية
جسده ،بأنه يتماثل ضمنيًّا مع محاولة إيجاد مركز والقراءة والتساؤل ،ليس فقط عن طبيعة المصير
أو معنى يفسر عبثية الوجود ،والواقع بفوضاه
الذي سيؤول إليه كلاهما ،وإنما عن حقيقة
الطاغية ..فهل إذن يمكن أن نفسر الأسطورة وجودهما ،وجدوى هذا الوجود أص ًل.
بالواقع والواقع بالأسطورة؟!
يترادف مع هذا مجموعة من الألفاظ السوريانية
يلعب النص على هذه الإشكالية ،ويوسع من مداها، التي يضعها الشاعر كعلامة على رأس كل يوم
لكنه لا يقدم حلو ًل محددة لها .إنه يضعها في لتوسيع فضاء النص (أهوج -يوه -دوسم-
مفارقة شديدة التوتر ،حيث ينتهك بالواقع نفسه حوسم) وغيرها .وهي ألفاظ تتجاوز المعنى الديني
قدسية الأسطورة ،ويخترق ديمومتها المطلقة ،بما الضيق للمهابة والتقديس ،ليس لكونها من أسماء
الله الحسنى كما يشير النص ،وإنما لأنها تشكل ما
تحمله من هواجس ودلالات دينية وميثولوجية يشبه المفتاح أو الإشارة الأولية للدخول في طقس
مختلفة ،وفي الوقت نفسه يتعامل مع الأسطورة كل يوم على حدة ،ومن ناحية أخرى ،تلعب دو ًرا في
من منطلق أنها شيء قابل للتكرار والاستعادة تهيئة القارئ لاستقبال مباغتات النص ،وشواغله
والتصديق والنفي من داخل نسيج الواقع ،أو النص
الخفيَّة الصادمة.
نفسه. «وكان إلى جوارها يشتعل وينطفئ،
بالمقابل وفي دلالة معاكسة ،ينتهك النص عبثية
الواقع ،ويضعه دائ ًما في أهاب الأسطورة ،أو على يلهث في ذاكرته كمحموم،
حافة السقوط فيها ،فيصير الواقع نفسه شيئًا غير ويرمقها في آن إلى آ ٍن.
قابل للتصديق ..هذا الحراك بتشابكه وتداخله في
النص يفضي دائ ًما الى أن :ثمة واق ًعا يتشكل داخل قوارلكت:ع اتلآأنمامحجصسحدهصالاملمحش ُّقو،قتكع َّرحرتب ٍة
وخارج رحم الأسطورة نفسها ،وفي الوقت نفسه وقالت :أنا هي
ثمة أسطورة تتشكل داخل وخارج رحم الواقع
نفسه .وتبقى فكرة الديمومة ،هي العنصر الذي استدع ْت س َّر الزهرة فظهر أمامها رج ٌل
يفرق بينهما ،بين الحواس ابنة الواقع الملموس، من النحاس ،انحنى وقال لها :أنا خادم
وبين ما فوق الحواس المتخيل غير المرئي ابن
الجمعة واسمي (زوبعة)».
الأسطورة.
هذه الحركة المزدوجة المركبة تصنع نو ًعا من الماهية العبور إلى الأسطورة
الملتبسة للعناصر والذوات الفاعلة في النص ،حيث على ضوء ذلك ،يتعامل النص مع الأسطورة من
تتناهى إلى مصائرها في طريقين متضادين في وقت خلال حركتين تتوازيان صعو ًدا وهبو ًطا ،سواء
في جوهر الأسطورة التراثي المطلق ،أو في عيانها
واحد ،هما الأسطورة والواقع؛ بل إن لحظة تجلي الواقعي المباشر .ويمكن القول ببساطة :إن النص
هذه الذوات والعناصر لا تكتمل إلا بلحظة خفائها يخامر الأسطورة في لحظة عبوره الواقع ،ويخامر
المباغت« ..وا ِرني عن اسمي وإلا رأيته ولم ترني» الواقع في لحظة عبوره إلى الأسطورة .وهو في
و»ثم ودعها وأشار فاختفت القبة» و»وقال :فهذا حركة صعوده وهبوطه لأحدهما يصنع حركته
الخاصة ،ولا يجعلها مرهونة بوجود أحدهما ،أو
صلحائيل معك .ثم أشار فاختفى» و»واختفت
فوجدت نفسها عاري ًة تحته» ..وغيرها. كليهما م ًعا.
صحيح أن المسافة تضيق -في أحيان كثيرة -بين
يساعد هذا الالتباس -برأيي -في تفتيت الثنائية
الماثلة في طبيعة العناصر والذوات الفاعلة في النص،