Page 30 - m
P. 30

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪28‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

             ‫الأسطورة وأقنعتها الملتبسة المخادعة‪:‬‬          ‫وسيرة العاشق الذاتية‪ .‬تتماجن على السطح‪،‬‬
                                     ‫«احذريني‬         ‫وتتقاطع مع أساطير وميثولوجيات أخرى مشابهة‬

                      ‫فقد ح َّولت في خريف كهذا‬         ‫في الدلالة والمضمون لروح الأسطورة الأويزرية‪،‬‬
                    ‫كثي ًرا من النساء إلى ملائكة‬       ‫يرفدها النص بإيحاءات شعرية وفكرية‪ ،‬مباشرة‬

                        ‫وآن لي أن أفعل العكس!‬              ‫ومحددة أحيا ًنا‪ ،‬وأحيا ًنا أخرى تبدو ملتبسة‬
                                 ‫في خريف كهذا‬           ‫ومراوغة إلى حد ما‪ ،‬فيستحضر على نحو خاص‬
                                    ‫أكون خفي ًفا‬       ‫رؤيا يوحنا اللاهوتي‪ ،‬ويتواشج مع أسفار العهد‬
                                                      ‫القديم‪ ،‬وتعلق به أمشاج من الميثولوجيا الإسلامية‬
         ‫ويمكن لامرأة أن تكرمش قلبي كورقة‪.‬‬            ‫والتراث الصوفي‪ ،‬والتاريخ المصري القديم‪ ،‬وتراث‬
                   ‫أنا بعد قراءة خذ وردة النار‬           ‫المخيلة الشعبية‪ ،‬ويركز على الجانب الديني فيه‪،‬‬
                         ‫بعد حفنتين من شج ٍن‬         ‫خاصة كرامات أولياء الله الصالحين‪ ،‬بالإضافة إلى‬
                              ‫وقلي ٍل من الوحدة‬
                      ‫أستطيع أن أكون غيري»‪.‬‬                           ‫بعض القراءات الخاصة للشاعر‪.‬‬
                                                       ‫وتبرز في هذا المستوى من التناص آليات فنية من‬
          ‫الوجود بالتضايف‬
                                                         ‫مثل‪ :‬التضاد الرمزي‪ ،‬التجنيس اللفظي‪ ،‬التوليد‬
    ‫في المستوى الثاني الداخلي للزمن‪ ،‬يسعى النص‬            ‫الاستعاري من معنى إلى آخر‪ ،‬وقلب المعنى أو‬
   ‫إلى كتابة ذاته‪ ،‬ويمتلئ بها‪ ،‬وتتكون لدية المقدرة‬       ‫الدلالة التراثية‪ ،‬ووضعها في مفارقات ساخرة‪..‬‬
    ‫على النفي والإثبات‪ ،‬ويتم ذلك بتحييد العناصر‬         ‫فهو مث ًل ‪-‬في الفصل الأول‪ -‬يستعير من نشيد‬
 ‫والتناصات الخارجية‪ ،‬ودفعها إلى منطقة «الوجود‬           ‫الأنشاد مقولة «أدخلني بيت الخمر و ِعل ُم ُه فوقي‬
  ‫بالتضايف» في النص‪ .‬فنحس بأنه لا فواصل بين‬           ‫محب ٌة»‪ ،‬ويضفرها كما هي في شكل كولاج بمقولة‬
‫الحلم والذاكرة‪ ،‬بين الروح والجسد‪ ،‬بين الأسطورة‬         ‫أخرى يوردها لعائشة بنت جعفر الصادق‪ ،‬تقول‬
 ‫والواقع‪ .‬بل إن فكرة التناظر التوءمي بين العاشق‬         ‫فيها‪« :‬وعزتك وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذن‬
    ‫والمعشوقة تنح ُّل‪ ،‬وتتحول إلى شكل من أشكال‬         ‫توحيدي بيدي وأدور به على أهل النار أقول لهم‪:‬‬
‫التجانس الروحي بينهما‪ .‬ونستشف ملامح وملمس‬               ‫و َّحدته فعذبني»‪ .‬فيحور جوهر الدلالة في المقولة‬
‫ذاكرة جديدة للعاشق «الوعل»‪ ،‬تصعد عبر انبثاقات‬         ‫الثانية‪ ،‬مستبد ًل بكلمة «توحيدي» كلمة «أشلائي»‬
‫متدرجة دراميًّا‪ ،‬وتتناهى في الصعود‪ ،‬حتى تتش َّرب‬     ‫لتتماشى مع روح الأسطورة الأويزرية التي ينهض‬

                     ‫بها الذوات الفاعلة في النص‪.‬‬                                        ‫عليها النص‪.‬‬
     ‫حينئ ٍذ يرى العاشق نفسه مركز العالم‪ ،‬بل هو‬              ‫من المؤكد أن هذه العناصر تسهم بدلالاتها‬
‫قادر على ولادته وتغييره وإعادة تشكيله من جديد‪،‬‬         ‫وعلائقها المختلفة‪ ،‬في توسيع وتكثيف أفق الرؤية‬
    ‫ويطلق صرخته الإلهية المقدسة «العالم جسدي‪،‬‬           ‫وفضاء الشعرية في النص‪ .‬كما تساعد على كسر‬
     ‫الرطب واليابس والحار والبارد واللذة والألم»‬        ‫أحادية الأسطورة الأويزرية‪ /‬الأم‪ ،‬وخلق مجال‬
    ‫و»العالم َأ َمتي والطبيعة لا تعي نفسها إلا بي»‪.‬‬  ‫رحب لفعالية الاستعارة والتشبيه‪ ،‬وتدوير إيقاعهما‬
 ‫ويخرج من ذاكرة الموتى التي تجسدها الأسطورة‪،‬‬                ‫بمستويات متعددة في النص‪ .‬لكن كثرة هذه‬
  ‫إلى ذاكرة «الوعل» مكتش ًفا حيوية جسده‪ ،‬وثماره‬           ‫التناصات المستدعاة‪ ،‬تربك – في بعض الأحيان‬
‫المحرمة التي تعلق بالمعشوقة‪ ،‬وتتناسل في صبواتها‬             ‫– فعاليته الشعرية‪ ،‬وتحد من تناميه وتوتره‬
                                                      ‫الدرامي الخاص‪ .‬كذلك في مناطق من النص نحس‬
       ‫كحربة سحرية‪ ،‬تحاصرها من كل الجهات‪.‬‬              ‫بأننا إزاء حالات شعرية ناتئة‪ ،‬كما لو أنها مجرد‬
  ‫هنا‪ ..‬يتحول النص إلى قناع للأسطورة‪ ،‬والعكس‬          ‫قصائد سابقة للشاعر أقحمها على النص من دون‬
    ‫صحيح أي ًضا‪ .‬ويكشف هذا التبادل للأدوار عن‬         ‫مبرر فني‪ ،‬من مثل قوله في اليوم الخامس المعنون‬
                                                      ‫باسم «حوسم» محذ ًرا العشيقة من سطوة وغواية‬
     ‫ارتباط عضوي بين فكرة الخلق وفعل العشق‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35