Page 38 - m
P. 38

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪36‬‬

                                                        ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫‪ Fourcade‬قائ ًل «أن نقرأ شعره فإن ذلك يعني أن‬            ‫زمن تجسدت فيه روح الشر‪ ،‬والفكر الذي ش َّوش‬
 ‫ننغرز في فك اللغز‪ ،‬أن نضرب جدا ًرا صلبًا‪ ،‬جدا ًرا‬      ‫نظام الأشياء‪ ،‬روح تبحث عن فردوس مفقود مثقلة‬

                                ‫صلبًا واح ًدا»(‪.)15‬‬                     ‫بالخوف‪ ،‬والقلق الذي لا شكل له‪.‬‬
     ‫يتأمل ‪ Fédéric Valabrègue‬فيه فيقول «إن‬               ‫إن الصعوبة التي تكمن في دراسة شعره تتألق في‬
      ‫‪ Fourcade‬يخلق أشكا ًل من أقراص الزهرة‪،‬‬               ‫أن لغته عميقة مليئة بالأسرار والخفايا‪ ،‬وأن هذا‬
   ‫والعربات‪ ،‬وهو يؤثر دائ ًما التبادل والانتقال‪ ،‬إنه‬    ‫الشعر يتسلل مثل حلم‪ ،‬مثل إنذار‪ ،‬مثل نبوءة تنذر‬
 ‫يعمل من أجل مستقبل وعالم من الكلام الشعري‪،‬‬
     ‫الصورة الشعرية في أعماله منطقة نفوذ رنانة‬              ‫بخطر جسيم يمس الإنسان‪ ،‬إنه تجربة إنسانية‬
‫تتأجج فيها وعلى كل المستويات بحركة حيوية اللغة‬              ‫تمكنت من أن تعرض صورة لعالم لا شكل له‪،‬‬
    ‫والتجربة‪ ،‬إنها كلام متعولم»‪ ،‬إن هذه الحركات‬          ‫ولغة تتلاءم تما ًما مع لغة زجتنا فيها المادة بعنف‪،‬‬
   ‫الرئيسة هي النقل‪ ،‬هي الدمج‪ ،‬هي التجسيد»(‪.)16‬‬         ‫تنادي قصائده بالفكر المضيء والرغبة في عالم أكثر‬
‫ويضيف ‪« Valabrègue‬أن كتابة ‪ Fourcade‬ليس‬                    ‫روحانية وتطلعات أكثر رفعة‪ ،‬تبحث عن كينونة‬
   ‫لها نهايات‪ ،‬لا بالنسبة للقصيدة ولا للصفحة‪ .‬لا‬          ‫الإنسان في مخاضات الحياة المعاصرة‪ ،‬فقصائده‬
   ‫يوجد عنده ما نسميه ديوا ًنا‪ ،‬إنه يفكر كما لو أن‬       ‫تتيح لنا النظر في فضاء صاف وهادئ‪ ،‬في مجالات‬
                                                            ‫الفلسفة والرسم والموسيقى والمسرح والرواية‪،‬‬
                     ‫الكتاب رسام له فضاءه»(‪.)17‬‬             ‫والأمواج الأخرى التي اجتاحت فضاء الإنسان‬
    ‫نرى في شعره شمو ًسا غاربة وأشجا ًرا ساقطة‬            ‫الداخلي‪ ،‬تحثنا على القيام برحلة وعلى امتلاك إرادة‬
   ‫وثلو ًجا وعظا ًما وانسا ًنا مستوح ًدا وعلامات من‬
    ‫الاكتئاب تكبل روح الشاعر‪ ،‬لهذا شكلت والمرأة‬                     ‫قوية للعبور في دروب الحياة الشائكة‪.‬‬
   ‫والكلمة في أعماله صو ًرا شعرية أخلاقية للجمال‬        ‫إن شعر ‪ Dominique Fourcade‬له صوته الرنان‪،‬‬
     ‫النقي‪ ،‬لأنهما أعادتا للشاعر الكبرياء الإنساني‬      ‫يضع في وضح النهار كل مشاكل الإنسان المعاصر‬
 ‫الضائع‪ .‬مع المرأة والكلمة تمتد قامته‪ ،‬فهما شمس‬         ‫العميقة‪ ،‬فهو ينتمي إلى سلالة ‪Rainer Maria Rilk‬‬
  ‫الظهيرة الساطعة‪ .‬إنهما صورة للإيراق والإزهار‬
 ‫والحصاد الوفير‪ .‬يبوح لهما الشاعر بمودة لأنهما‬             ‫الشاعر النمساوي والشاعر الألماني ‪،Hôlderlin‬‬
  ‫يغسلانه من البقع التي لوثه بها هذا العالم الملطخ‬            ‫لأنه ركز شعره على صعوبة العيش في عصر‬
     ‫بالنجاسة‪ ،‬ويحررانه من المادة الشرسة‪ .‬إنهما‬
‫يزينان أعماله الإبداعية ويشكلان ضيا ًء ب َّرا ًقا لحلم‬   ‫الإلحاد وعزلة الإنسان وقلقه العظيم من الحروب‪،‬‬
     ‫بهي نحتاج إليه‪ ،‬نحن الذين نعيش في أحضان‬             ‫ولأنه يسير في مسار الأثر المهيب الذي التزم مودة‬
                                                          ‫نقية وعاطفة صافية مع الله‪ ،‬وهو يفتح لنا أبواب‬
      ‫عالم محروم من الضياء‪ ،‬نحن المتعطشين إلى‬
 ‫ضياء العدالة وإلى ضياء السلام الذي يشكل جز ًءا‬             ‫الأمل بكل اتساعها مثل الضياء الآتي من العالم‬
                                                            ‫الآخر‪ ،‬لكي لا تتوقف الحياة وتتاح لها خصوبة‬
    ‫من سعادتنا‪ ،‬فصوت ‪ Fourcade‬يغني الجمال‬
  ‫والسلام ويغنيهما أكثر‪ .‬تملأ صوره الشعرية في‬                           ‫مؤاتية في عصر الجفاف الروحي‪.‬‬
   ‫داخلنا حفرة عميقة ثقبتها الحروب وثقبها الظلم‬                ‫لم أعتمد في دراسة شعره منه ًجا محد ًدا‪ ،‬بل‬
  ‫المحيط بنا‪ ،‬تسبح ما بين ضوء وفرح أحيا ًنا‪ ،‬وما‬            ‫اعتمدت قراءة روحانية بدت لي مظه ًرا جوهر ًّيا‬
                                                         ‫بعي ًدا عن الدلالات والمدلولات البسيطة‪ ،‬لأنه يبحث‬
      ‫بين عتمة ووجع أحيا ًنا أخرى تكشف لنا قلبًا‬           ‫عن اللا متناهي‪ ،‬ولأن هذا الشاعر سائح مغترب‬
           ‫أخضر وحساسية مفرطة لهذا الشاعر‪.‬‬                   ‫يبحث عن فردوس بعيد يجمع ما بين الإنسان‬
                                                          ‫وفضاء نقي يحيط به‪ ،‬وأن يكيف نفسه للامتزاج‬
‫‪ Fourcade‬ليس شاع ًرا فقط بل هو ناقد ومتأمل له‬                ‫في هذه الحياة العا َّجة فا ًّرا من حفرة الهباء‪ .‬إن‬
‫شفافية‪ ،‬وله رؤية في الفن والألوان‪ .‬تلقي الذكريات‬            ‫الصورة الشعرية عند هذا الشاعر تنبثق معتمة‬
‫ضياءها عليه خاصة فيما يتعلق بالصداقة‪ ،‬فالكتابة‬             ‫ثم تتألق‪ ،‬صورة تدعونا إلى إعادة ترميم كينونة‬

     ‫والصداقة هما بالنسبة له المنقذ والمصالحة مع‬                               ‫الإنسان بطبيعته الأصيلة‪.‬‬
                                                          ‫يتأمل ‪ Nicolas Pesquès‬في شعر ‪Dominique‬‬
   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43