Page 39 - m
P. 39

‫‪37‬‬                 ‫إبداع ومبدعون‬

                   ‫رؤى نقدية‬

                                                                        ‫الحياة‪ ،‬لأنهما يتسمان‬

                                                                        ‫بالبراءة والصفاء‪ ،‬إنهما‬

                                                                        ‫ذلك العالم غير المنتهك‪،‬‬

                                                                        ‫لهما بريق متفرد‪ .‬في‬

                                                                        ‫تأملاته الشعرية يأخذنا‬

                                                                        ‫إلى الشاعر ‪René char‬‬
                                                                        ‫الذي كتب عنه قائ ًل‪:‬‬

                                                                        ‫«من أين يأتي هذا الدوار‬

                                                                        ‫الذي يصاحبني حين أكتب‬

                                                                        ‫عن ‪René Char‬؟ كيف‬

                                                                        ‫إذا كان ذلك ممنو ًعا أو‬
                                                                        ‫مستحي ًل‪ ،‬أن نكتب عن‬

                                                                        ‫شخص نحبه كثي ًرا‪ .‬أو‬
                                                                        ‫كما لو أن الكتابة تجعل‬

                                                                        ‫كل شيء أكثر حدة كأنها‬

‫فريديريك فالابريغ‬  ‫فريدريش هوجو‬                        ‫فريدرش هولدرلين‬    ‫لم تكن تجربة في الحياة‬
                                                                        ‫أي ًضا‪ ،‬إن الكتابة ليست إلا‬
                                                       ‫لحظة من الحداد‪ .‬إنها إعادة إقلاع تفجر الحضور‪،‬‬
  ‫ضراوة الحياة المعاصرة‪ ،‬والرؤى المضطربة التي‬
 ‫تمس الروح الحساسة فيما يتعلق بالثقافة المهيمنة‬        ‫إنها الحداد في أعلى درجاته التي يصعب على الروح‬
‫في هذه الحقبة من الزمن‪ .‬إن ‪ Fourcade‬المولود في‬
  ‫باريس عام ‪ 1937‬ينشد إعادة بناء هرم الإنسان‬           ‫تحملها لما فيها من وجع‪ .‬إن الألم يعلو بنبرته‬

   ‫وإعداد عمليات تقضي إلى ثقافة تعيد تشكيلات‬           ‫حتى يكاد أن يصبح كونيًّا‪ ،‬هذه الصورة المأخوذة‬
   ‫المعطيات المباشرة للمعرفة‪ ،‬ويقول لنا إن الحياة‬      ‫بسرعة خاطفة صورة مدهشة‪ ،‬معقدة وملحة‪ .‬غير‬

      ‫ليست ساحة للحرب والاقتصاد‪ ،‬ولكن رؤية‬             ‫أن الفريد هو أن هذا الانسان بكل ما فيه من صفات‬
    ‫جديدة للحب والحلم والخيال الإبداعي‪ .‬يجسد‬
‫شعره صورة الإنسان الممزق الذي يناضل بحماس‬              ‫فذة ومؤثرة ينبثق في كله لحظة‪ ،‬يلح‪ ،‬يأسرنا‪،‬‬
‫بطولي‪ ،‬مصحوب بشعور عميق من العزلة من أجل‬
   ‫الخلاص‪ ،‬فالشعر كما يقول ‪Roland Barthes‬‬              ‫يفرض نفسه‪ ،‬مع ‪ René Char‬كانت الرهانات‬
     ‫«لم يعد نث ًرا مزرك ًشا مبتو ًرا من الحرية‪ ..‬إنه‬
   ‫جودة نوعية غير موروثة‪ ،‬إنه لم يعد مسند‪ ،‬بل‬          ‫فادحة‪ ،‬الرهان الإنساني‪ ،‬والرهان الشعري‬

                                    ‫جوهر»(‪.)20‬‬         ‫فالاثنان يشكلان راف ًدا واح ًدا‪ ،‬لكن بين الاثنين‬
  ‫لقد ولد شعر ‪ Fourcade‬ممزو ًجا بثقافة الشاعر‬          ‫يحدث أحيا ًنا تمز ًقا نفسيًّا مأساو ًّيا‪ .‬كل شيء‬
 ‫في حقول العلم والفلسفة والفن والفكر‪ ،‬هو الشعر‬         ‫يسكن في ذاكرتي دون أن أبذل أي جهد في التذكر‪،‬‬
   ‫الذي نطمح إليه لأنه يعرض لنا مشكلة الإنسان‬
 ‫الذي برمجته الحضارة الغربية وغيبته‪ ،‬يبحث عن‬           ‫فقط أن أمارس الكتابة‪ ،‬لكني أعرف في أعماق‬
  ‫هويته وعن معرفة كنه ذاته في تصورات شعرية‬
                                                       ‫نفسي أني لن أستطيع أن أفسر هذا الموعد»(‪.)18‬‬
    ‫مبهمة‪ ،‬فالشعر كما يقول ‪Michel Riffaterre‬‬
‫«يعبر عن تصورات‪ .‬باختصار‪ ،‬إن قصيدة ما تقول‬             ‫تلك هي الصداقة التي قال عنها أرسطو «بأنها‬

                                                       ‫الحياة الحميمة في أرقى درجاتها المرغوبة»(‪.)19‬‬

                                                       ‫كانت دراستي لأعمال ‪ Fourcade‬تجربة ثمينة‬

                                                       ‫بعمقها الإنساني‪ ،‬عبرت عن رؤية صوفية مدعومة‬

                                                       ‫بالبحث الدائب عن الضياء‪ ،‬في فيض من المشاعر‬

                                                       ‫يصف لنا الإنسان في وحشته الموغلة في المجتمع‬

                                                       ‫الغربي‪ ،‬بحس فلسفي يرتبط بأصالة الفكرة‬

                                                       ‫السامية كحالة من حالات الروح التي أتعبتها‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44