Page 40 - m
P. 40

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪38‬‬

                                                      ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫والثاني هو الجملة التي تصنع العالم دون أن تملك‬                   ‫شيئًا‪ ،‬لكنها تعني بذلك شيئا آخر»(‪.)21‬‬
                               ‫تجربة العالم»(‪.)26‬‬     ‫لقد كرست أطروحتي لدراسة «الصور الشعرية في‬
                                                       ‫أعمال دومينك فوركاد‪« ،‬الكلمة والمرأة» وقد قدمت‬
  ‫إن قراءة شعر ‪ Fourcade‬تجعلنا نتقبل أن المرأة‬
 ‫والكلمة جاءتا لنسج علاقة نقية وجديدة مع العالم‬           ‫في دراستي الكلمة على المرأة لأن للكلمة أهميتها‬
‫لتحدد السلوك بدوافع تنتصر لسلطة اللغة‪ ،‬وتلطف‬             ‫الكونية حتى في ماديتها فمنذ البدء كانت الكلمة‪.‬‬
‫علاقة الشاعر بالعالم‪ ،‬وتضفيان بذلك الضياء ليس‬             ‫شكلت المرأة والكلمة في أعماله زهرة الحواشي‬
                                                       ‫أو الفيرونيكا لأنهما «الشبيه الحقيقي له في الوفاء‬
    ‫على النص فقط ولكن على الإنسان أي ًضا‪ ،‬وبذلك‬       ‫والاخلاص «‪ ،)22(»La ressemblance fidèle‬وهما‬
   ‫يتحد الشعر والواقع فيندمجان م ًعا في فضاءات‬         ‫الربيع والدفء‪ ،‬يخلقان في حياته حقو ًل ممتدة من‬
                                                          ‫الأزهار ذات اللون الأزرق القوي‪ ،‬فيحررانه من‬
     ‫الفلسفة والحكمة والتصوف‪ .‬فكلنا نبحث كما‬            ‫كثافة الحياة المادية الثقيلة‪ .‬إنه يجنيهما على المدى‬
‫يبحث ‪ Fourcade‬عن شيء مفقود وعن ضياء يبدد‬                ‫الممتد من منحدرات روحه فيضفيان عليه التوازن‬
                                                          ‫النفسي‪ ،‬إنهما ترمزان إلى الفضيلة‪ ،‬وإلى عشب‬
  ‫عتمة هذا العالم الذي يسبح بليل أسود‪ ،‬لكن فيما‬          ‫يفوح منه عطر الماضي في عصر مليء بالكدمات‪،‬‬
   ‫يتعلق باللون الأسود يقول ‪Pascal Quignard‬‬            ‫وهما نظيره في الجدارة والمنزلة والنبل‪ ،‬يحققان له‬
    ‫«يجب أن نفكر دائ ًما أن هذه التجربة تتجدد كل‬      ‫الانسجام مع العالم‪ ،‬إنهما الفضاء الذي تتشكل فيه‬
 ‫يوم‪ :‬إن قعر الكون يتكشف كل يوم وراء النجوم‪،‬‬          ‫الصورة الاجتماعية والكونية للجمال‪ .‬يبقى الإنسان‬

        ‫والأرض‪ ،‬والكواكب السيارة والمذنبات(‪.)27‬‬              ‫في أعماله موضو ًعا جوهر ًّيا وليس تجريد ًّيا‪،‬‬
  ‫إن العصر الذي نعيش به الآن يعطينا انطبا ًعا عن‬       ‫فالشعر كما يصفه ‪« Daniel Leuwers‬ليس بحثًا‬
‫الظلام الدامس‪ .‬نعم إن عصرنا عصر حزين‪ .‬إن ما‬
 ‫يجب علينا هو أن نكرس جهودنا على كل ما يحفز‬                                         ‫فقط بل محنة»(‪.)23‬‬
 ‫الحياة الجماعية الأكثر رفع ًة ورقيًّا‪ ،‬وهذا يؤكد ما‬    ‫إن الشاعر ‪ Fourcade‬كما يصفه ‪Jean Claude‬‬

    ‫يقوله ‪« Martin Heidegger‬إن الاتساع يستند‬               ‫‪« Pinson‬شاعر عاطفي‪ ،‬في قصائده احتضار‬
    ‫قبل كل شيء على المستقبل‪ .‬المشي إلى الأمام أو‬        ‫قصائدي ‪ poémogonie‬أي الغناء التأملي العظيم‬

                                   ‫الانتظار»(‪.)28‬‬         ‫لميلاد القصيدة»(‪ .)24‬لذا نلمس في شعره تعط ًشا‬
      ‫يحثنا شعر ‪ Fourcade‬على الحياة التي تبنى‬                                   ‫للفرح والحب والسلام‪.‬‬
  ‫أسسها على الشعور الجمعي وقوة الألفة الجريئة‬
    ‫التي تسطع تحت الشمس‪ ،‬وليس على المؤامرات‬                 ‫يعتبر ‪ Daniel Leuwers‬أن ‪« Fourcade‬من‬
‫التي تكيد خيوطها قوى الشر وراء كواليس السلطة‬               ‫الشعراء المجددين‪ ،‬وأن في كتابه ‪ Xbo‬قصيدة‬
   ‫والاحتكار‪ ،‬ويدعونا إلى الكلام‪ ،‬يؤكد ‪Novarina‬‬        ‫تسعل بخماسية بحثًا عن صوت أصلي متميز»(‪.)25‬‬
‫«أن فقط من يتكلم هو حي»(‪ .)29‬فالسكون والصمت‬            ‫في شعر ‪ Fourcade‬تتألق التجربة الإنسانية «لأن‬
    ‫هما الموت‪ .‬لذا فان ‪« Gaston Bachelard‬يؤثر‬         ‫الصوت صوتان ممتزجان‪ ،‬الأول فيه تجربة العالم‪،‬‬

            ‫الإنسان الذي يتكلم والإنسان المتكلم»‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45