Page 45 - m
P. 45
43 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هزاع البراري سامرة المومني والحناجر تهزج بالموت وتتمناه ،المساء لطخ
الدروب بالمخاوف والعيون المتلصصة ..الخيل
جلَ َست على حافة الطريق كأنها ..تنتظر نهاية وجع تغتسل بعرق العدو المتواصل ..أحضر الشيخ ثريا
وخذلان كبيرين ،وخيانة أكبر» .إنه الهم الذي يعيش الملتفة بالعباءة ،ورأسها يعتمر بالحطة لتبدو رج ًل
منكس إلى أسفل ،تأملتها العيون المتطفلة ،أرادت أن
في داخل الإنسان حينما ترى شريكة الحياة زوجها تصرخ بهم واح ًدا واح ًدا ،حبست كل ذلك ،تحملت
يخون ،فكيف لها أن تصمت ،أيكون ذلك مبر ًرا للانتقام
بقسوة اللحظات العابرة بكسل كريه».
بخيانة مماثلة؟ ذلك شكل آخر ونمط من حياة البؤس لعله مشهد متطابق مع لوحة المومني في فكرة
والشقاء الاجتماعي الذي يتقاطع مع حياة الشخوص قسوة الحياة والموت المحقق ،وإن اختلفت الأسباب،
في رواية البراري ،ولعل سؤال الكاتبة المومني المتكرر مع اختلاف في بنية الحدث الموضوعية ،وتوافق مع
ماذا ستكتبين؟ هو نفسه السؤال الذي يشكله البراري الفكرة الجوهرية ،من حيث :ضيق الحياة ،وقسوتها،
حول عجزه عن الكتابة« :ما المشكلة إ ًذا؟ المشكلة أنني فالطفولة مهشمة ومتكسرة وكأنها ألواح زجاجية غير
عاجز عن الكتابة ..أقصد أنني عاجز عن كتابة ما متماسكة قابلة للتشظي في أي وقت ،وغبار المدينة
أريد..لا ..لا ..أظنني غير قادر على الكتابة بالشكل والصراخ والبكاء والرصاص ،تلك مشاهد لا تغيب،
ولعلها تتساوق مع لوحة المومني البعيدة عن الحرب
الذي أفكر فيه ..أفكاري متداخلة وأنا أعاني من ومشاهدها ،ولكنها في ذات الوقت لوحة تتقاطع معها في
ضياع لا ينتج شيئا» .لعله يتقاطع بصورة مباشرة تلك المعاناة الإنسانية بطرائق مختلفة وأساليب متنوعة،
مع سؤال المومني« :هل ستكتبين؟» .لاشك أن والنتائج واحدة.
وهم الأسطورة سيلتهمني ،كوحش مفترس إن وينتقي الكاتب من معجمه اللغوي كل مفردات
لم أغادرها وأُنهي علاقتي بشخصياتها النسائية، اللغة التي تومئ إلى الحالة المأساوية التي تعيشها
اللواتي أقحمنني في عالمهن السحيق عنوة ،فقط شخوصه ،وبالطبع لا تعبر عن نفسها وحسب ،بل هي
لأني ..لأني تلصصت على حياتهن وحواراتهن من منظومة النسيج الاجتماعي العام ،تعبر عنه بكل
السرية» ،الكاتبان قادران على الكتابة ،ولكنهما يسعيان تفاصيله الحياتية« :عزيز رجل مسيحي من رجالات
جا ِه َدين إلى الكتابة بالطريقة التي يسعيان إليها ،وليس لبنان ،يقول معل ًقا على نفيه إلى أمريكا :أقاتلهم،
واليوم أذهب إليهم لاج ًئا؟ شيء يثير الضحك
بما هو على أرض الواقع من جراحات وآلام
والبكاء معا».
تلك هي الأزمة التي تعيشها بعض الشخوص في
وطنها ،وتبتعد عنه لتعيش في بلاد الغربة كذلك غريبة،
هكذا كان اللبناني إبان الحرب الأهلية ،أزمة داخلية
تفضي إلى أزمة أخرى يظن بعضهم أنها النجاة ،وما
هي إلا شك ًل من أشكال التهميش والمعاناة والحيرة
والذهول والارتباك.
والمشهد هذا يتكرر بنمط آخر ،وصورة جديدة من
البؤس والسوداوية في قصص المومني.
تقول« :وأصرخ بصمت :لماذا أنا؟ لماذا؟ رفع ُت رأسي
وأمعنت النظر خار ًجا لعلني أظفر بإجابةُ ،خ ِّيل إلي
أنني ..أنني رأيت ثريا قبيل غروب الشمس بقليل،
نعم رأيتها بلباس أسود وشعر أسود يصل إلى
قدميها ،تذرع المكان ذها ًبا وإيا ًبا دون أن تلتفت،