Page 47 - m
P. 47
45 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ذروة تأكيد الفردانية« :كانت سرينة الإسعاف هذا التورط من هواجس سياسية أو اجتماعية
تدوي بالقرب ،وبخفة مدهشة ،وقفنا في الشارع ُتحيل المتلقي مباشرة إلى مثلث (الحرية /الإرادة/
ويدي في يدها ،ثم انطلقنا م ًعا نجوب كل أغاني
المسؤولية) ،وسؤال الوعي بحقوقه وواجباته،
العالم وفي يد كل منا شوكة حديدية نطعن بها وأي ًضا ما تتيحه الجماعة السيكولوجية والقمع
كل ما لا يروق لنا» ،ذلك أن آليات تبرير القمع، المجتمعي من مساحات آمنة لممارسة فردانيته
والجوانب الأمنية ،والدفاع عن نظام واستقرار
الحياة ،وتوقع الخطر؛ يوهم الإنسان بمشروعية دون قيود إيديولوجية ،ومفهوم «التذويت»
بواسطته يتم تشكيل الذات في مسارات الذوتنة
هذا القمع ،يقول بطل القصة« :هل كانت آخر
لحظة عشتها في الواقع وهم يركلونني في بطني Subjectivisationالتي تتناسب مع أنماط
وخصيت َّي ،أم عندما أجبرتني أمي على عدم إطالة الموضعة Objectivationأو ًل ،ومع الكيفية التي
شعري؟» ،وكأن (الموت الانفعالي) أو ما نسميه
بالبلادة الانفعالية كميكانيزم دفاعي كان المقدمة تتشكل بها عملية الإخضاع ثانيًا.
المنطقية لاستسلامهم لمحاولات الإخضاع التي في مجموعة «مدن تأكل نفسها» القصصية الصادرة
تمارسها السطة المجتمعية القامعة ،وبالتالي إنهاء
الحياة المتصل بالإحساس بالعدم والعجز حيال عام 2019عن دار بتانة للنشر والتوزيع ،للقاص
موقف المجتمع منهم؛ مع ملاحظة أن الهروب إلى والروائي شريف صالح؛ تحدثنا القصص عن
الحياة الآخرة من خلال الانتحار ،يمكننا اعتباره جينالوجيا الإنسان المعاصر الخاضع لسلطة
نفيًا مطل ًقا للجسد تعارض مع حتمية وجوده -أى الخطاب الاجتماعي والديني والسياسي ،التابع
الجسد -من أجل إخضاعه. بصمت ،وعن خضوع المتلقي لخطاب الكاتب المعرفي
ولأن هيمنة القبح والإخضاع من الطرق المتداولة أي ًضا؛ فالكتابة ناتجة بلا شك عن (ذاتية مركزية)
للإجبار على الموت في سياق الحياة كمصير حتمي خاصة بالكاتب تفرعت إلى رواه يرصدون العالم،
في قصة (مسمط الشيخ مسعد فتة)؛ نجد أن الكاتب وشخصيات ُتجسد التجارب متنقلة بين أماكن
متعددة؛ فتذويت الإنسان داخل النظام (الرمزي)
لم يعترف مباشرة بموت الحفيد ،إنما تدرج في لقصص المجموعة هو الذي ساهم في تثبيت
وصف الانطفاء« :وبمرور الشهور نمت حشائش الأفكار من خلال المفاتيح والأبواب المقتبسة في
برية تفوح منها رائحة العفن وخراء الكلاب ،ذهب بداية كل قصة ،والتي جاءت من أجل رصد ثنائية
زمن الملوك والشعراء وجاء زمن الضباط والموظفين (الإخضاع /التبعية) أو تفسيرها وتحديد درجات
الكبار» .التدرج في الانطفاء هنا كان هو العامل الذي مقاومة الأفراد.
ساعد الذات على أن تتحول إلى ممارسة الخضوع
ومنحها القدرة على إدراك الروابط المجتمعية المنحلة، أو ًل :الفرديات القلقة والإخضاع
وكأن الأصل هو الذوبان في الجماعة السيكولوجية، النفسي
والأمر العارض هو الانفصال وتشكيل كيان فردي؛
فالتغيرات السياسية والاجتماعية أدت إلى ضرورة إذا أردنا أن نفهم سلوكيات الفرد وردود أفعاله،
نفي الآخر المختلف وامتهان شريعة البقاء للأقوى، علينا أن نراه في سياق المجتمع الذي يعيش فيه؛
هنا أصبح العقاب المجتمعي شك ًل من أشكال النبذ:
فالحرية كمعركة لكسر القيود والتغلب على
«كان بسترودس يخشى أن يخسر معركته مع الإكراهات الداخلية والخارجية كما تصورها
الشيخ مسعد مثلما خسر والده معركته مع اللواء إريك فروم تسمح بإبراز (الذات الفردية) وحسن
إكس ،لا يتخيل نفسه يصافح شريكه المحتمل بيديه توظيف قدرات الإنسان ،هنا تتجلى فكرة الجبرية
المشعرتين الغليظتين هاتين» ..في ذلك يرى فرويد الخفية التي مفادها أن يختار الأفراد ما يراه
أن الأنا المثالية تمتلك جانبًا اجتماعيًّا ،يتم تداوله المجتمع في قصة :العيش في الأغاني؛ لنكتشف أن
جنوح الإنسان نحو الفن الذاتي حجة للتأكيد على
عدم توفر الحرية ،بالتالي يصبح إنهاء الحياة هو