Page 242 - m
P. 242
العـدد 59 240
نوفمبر ٢٠٢3
ولكن يجب أن أضيف أن تفضيلي وإن كان هناك ملمح يميزني عمن عادة من قراءة للأحداث
لكتابة تاريخ الأنفار ومزجه سبقني فأعتقد أنه تفضيلي ،أن السياسية الكبرى؟
أركز دو ًما على تاريخ الفرد ،أو
بتاريخ المؤسسات له أي ًضا خلفية أو ..كما سئلت في حوار
سياسية ،ففي ظل هيمنة الخطاب النفر كما أسميه ،وأن أتتبع رؤيته سابق :لماذا كتابة التاريخ
ودوره في صنع تاريخه ،وأن أبدأ
القومي والخطاب الإسلاموي سرديتي به لا بالباشا أو السلطان من أسفل؟
على كتاباتنا التاريخية يغيب النفر
ولا يجد لنفسه مكا ًنا في السردية أو الحاكم أ ًّيا كان لقبه .ولكني أنا أقرأ التاريخ من زاوية تشابك
معن ٌّي في الوقت نفسه بعدم التاريخ الاجتماعي مع تاريخ
التاريخية السائدة .وأعتقد أن المؤسسات .وأنا هنا أسير على
هذا له تأثير وخيم على إحساس إغفال دور السلطة ومؤسساتها نهج الكثير ممن سبقوني في
القارئ بالاغتراب ،فالتاريخ تاريخ في صياغة رؤية النفر لنفسه كتابة تاريخ مصر الحديث.
حكام ودول ،أو هو تاريخ أفكار ففي الأربعينات والخمسينات
وهويات ،وبين هذا وذاك يتوه ولمحيطه وفي التأثير على أفعاله.
القارئ ويشعر بالغربة ،فلا هذا وبهذا المعنى فدراساتي كلها تدور انبرى الجيل الأول من المؤرخين
هو تاريخه ولا تلك هي قضاياه. الأكاديميين المصريين -من
وبالتالي فما أحاول أن أقوم به حول هذه العلاقة الدياليكتيكية تلامذة محمد شفيق غربال-
عن طريق كتابة التاريخ من أسفل بين النفر والسلطة (لو استخدمنا
هو أن ألفت نظر القارئ إلى أن مصطل ًحا ماركسيًّا) ،أو السجال لكتابة تاريخ المؤسسات التي رأوا
ما يقرأه لا يخص الحكام ورجال أنها تؤرخ للحداثة ،فأبو الفتوح
بين السلطة والمقاومة (لو رضوان كتب «تاريخ مطبعة
الدولة فقط ،ولكنه يخصه هو استخدمنا مصطل ًحا فوكود ًّيا). بولاق» ،وأحمد عزت عبد الكريم
شخصيًّا ،وأن أنفا ًرا مثله هم من من هنا جاءت دراستي عن دور كتب «تاريخ التعليم في عصر
صنعوا التاريخ الذي يقرأه .وبهذا الجندي ،النفر ،في جيش محمد محمد علي» ،وأحمد الحتة كتب
المعنى فله أن يتخيل أن ما يقرأه علي ،الذي نشرتها في كتاب «كل «تاريخ الزراعة المصرية في عهد
هو تاريخه شخصيًّا ،وأنه أي ًضا رجال الباشا» ،ورؤية الأهالي
للمستشفيات الحديثة وللمجالس محمد علي الكبير» .وفي السبعينات
من يصنع تاريخه ويكتبه. السياسية (بمعناها القديم النابع انكب مؤرخو الجيل اللاحق على
من مفهوم السياسة الشرعية) في كتابة التاريخ الاجتماعي ،فمث ًل
إلى أي مدى تعتقد أن القرن التاسع عشر والتي شكلت نشر رءوف عباس وعاصم
التاريخ المصري -القديم الدسوقي كتابهما الرائد «كبار
صلب كتابي الأخير« ،السعي الملاك والفلاحين في مصر
والحديثُ -كتب بشكل للعدالة». ،»١٩٥٢ -١٨٣٧ثم تبعتهما نيللي
صحيح؟ هل من الطبيعي –
على سبيل المثال -ألا يعرف كما أن تركيزي على دور النفر/ حنا بكتبها عن التاريخ الاجتماعي
الأهالي نابع من تأثري بمدرسة لمصر العثماني ،ومنها «تجار
المصريون حتى اليوم إن
كان أحمد عرابي جانيًا أم دراسات التابع (التي أفضل القاهرة في العصر العثماني» .ما
تسميتها بمدرسة دراسات أحاول أن أقوم به هو مزج تاريخ
مجنيًّا عليه؟
الأنفار) التي ازدهرت في المؤسسات بالتاريخ الاجتماعي
أنا أتلقى هذا السؤال ،بصياغات الثمانينات على أيدي المؤرخين الذي هو أي ًضا منهج سبقني فيه
مختلفة ،طوال الوقت .فلا يمر الهنود العاملين في الجامعات
الغربية (وبعض الجامعات الهندية الكثيرون ،وأخص بالذكر كتب
أسبوع دون أن أتلقى في بريدي وأهمها جامعة جواهر لال نهرو صديقي العزيز عماد هلال ،ومنها
الخاص رسالة بهذا المعنى :هل ما مث ًل كتابه «الفلاحون والسلطة».
في نيو دلهي) .وبالتالي فما
أقوم به هو أسلوب معروف في
الأوساط الأكاديمية الغربية.