Page 81 - m
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

      ‫من ذراعها‪ .‬تستفيق الفتاة من حلمها‪ ،‬الشاب‬           ‫لتلمعان بماء الذهب على مد نظرها‪ ،‬ليسترخي‬
    ‫الذي أنقذها يشد ذراعها أكثر‪ ،‬لقد شارفوا على‬                       ‫جسدها في أحضان الماء الدافئ‪.‬‬
 ‫الوصول إلى الشط‪ ،‬هي ضعيفة الحركة ولا تقوى‬
   ‫على التنفس‪ ،‬لكنها تخاف أن يقترب الشاب إليها‬         ‫تبتعد داخل البحر أكثر‪ ،‬تجذف بساقيها ويديها‬
‫أكثر‪ ،‬تحب قبضة ذراعه تلتف حولها‪ ،‬لتشعر بأما ٍن‬        ‫الناعمتين‪ ،‬تمتشق ثوبها بجسدها اليانع‪ ،‬القماش‬

                    ‫أحست أنها فارقته منذ زمن‪.‬‬           ‫يلتصق بساقيها‪ ،‬يعيق حركتهما‪ ،‬منديل رأسها‬
     ‫تدخل الشمس إلى عينيها‪ ،‬عندما تفتحهما مرة‬       ‫يحبس خصلات شعرها من الحركة‪ ،‬يلتفها كوشاح‬
 ‫أخرى‪ ،‬ودموعها تسيل لآلئ على خديها‪ ،‬بكلمات لا‬
                                                                              ‫سرمدي يخفي عينيها‪.‬‬
          ‫تقوى على الحديث والصوت يهرب منها‪:‬‬               ‫لم تعد قدماها تصلان الأرض‪ ،‬تشعر بخوف‬
    ‫‪« -‬خليني هون أكمل طريقي لوحدي‪ ،‬شو راح‬                ‫الغرق‪ ،‬تبعد المنديل عن وجهها‪ ،‬تنظر للخلف‪،‬‬
                                                         ‫ترى أنا ًسا أصبحوا كنقاط صغيرة‪ ،‬عيناها لا‬
            ‫يقولو الناس علينا‪ ،‬ونحنا مع بعض»‪.‬‬          ‫تراهم بوضوح‪ ،‬تعتقد أنهم ما عادوا يستطيعون‬
                ‫يبتسم ويتعجب وهو يسبح بقوة‪:‬‬           ‫رؤيتها‪ .‬تشعر بتيار جارف يسحب ثوبها للعمق‪،‬‬
                                                     ‫ترتعش‪ ،‬ترتعب‪ ،‬تشعر أنها لم تعد تمتلك السيطرة‬
‫‪« -‬راح يقولوا هالشب الوسيم‪ ،‬أنقذ فتاة جميلة من‬        ‫على التجديف بجسدها‪ ،‬ساقاها ثقيلتان والقماش‬
                                        ‫الموت»‪.‬‬     ‫يلتفهما‪ ،‬تريد نزع ثوبها عنها‪ ،‬تخاف العري‪ ،‬تخاف‬
                                                    ‫الموت‪ ،‬تحب الحياة‪ ،‬تشعر بالوحدة والسماء أعلاها‬
                                     ‫وهي تعبة‪:‬‬      ‫بعيدة‪ ،‬والبحر بمياهه أصبح مخي ًفا‪ ،‬تهاب صداه في‬
            ‫‪« -‬شو عرفك يمكن كان بدي الموت»‪.‬‬           ‫أذنيها‪ .‬دموع حبيسة في عينيها لا تقوى الخروج‪،‬‬
‫‪« -‬لا‪ ..‬يمكن ذقتي طعم من الموت لتعرفي عن نكهة‬       ‫أصبحت تستسلم للتيار‪ ،‬تمسكها ذراع قوية فجأة‪،‬‬
        ‫الحياة‪ ،‬المرة الجاي راح أعلمك السباحة‪»..‬‬      ‫تنظر إلى الذراع بعد أن شعرت بقوتها وحرارتها‪،‬‬
    ‫يتوقفان داخل مياه البحر‪ ،‬بعد أن أح َّسا بزوال‬
                                                                              ‫وإذ به رجل يقول لها‪:‬‬
                ‫الخطر‪ ،‬تنظر الفتاة لعيني الشاب‪.‬‬        ‫‪« -‬راح أساعدك تمسكي فيني منيح ما تخافي»‪.‬‬
                                     ‫‪« -‬كيف؟»‬        ‫تخاف الفتاة أكثر من هذا الرجل‪ ،‬تتملكها ذكريات‬
                                                      ‫ومشاهد‪ ،‬تمنعها من الاقتراب من رجل لا تعرفه‪.‬‬
 ‫بكلمات متقطعة‪ ،‬بموجات البحر المارة من فوقهما‪:‬‬         ‫أصوات خافتة من قاع البحر إلى جوف روحها‪،‬‬
  ‫‪« -‬يمكن كنت بدي أنتحر‪ ،‬لو ما لمحتك بتغرقي»‪.‬‬          ‫أصوات تشبه صوت أبيها وأمها يؤنبانها‪ .‬لباس‬
                                                    ‫المدرسة الثانوية للسنة الأولى ترتديه فرحة‪ ،‬تشعر‬
    ‫يتقدمان مشيًا نحو الشاطئ‪ ،‬وأخو الفتاة الذي‬          ‫بأنوثتها تتمايل داخل لباسها‪ .‬تتطاير خصلات‬
   ‫يصغرها بعام واحد‪ ،‬ينظر إليهما مرتب ًكا وحان ًقا‬  ‫شعرها‪ ،‬كطفلة تشعر أنها كبرت لأول مرة‪ ،‬يرمقها‬
                                                        ‫الشارع بنظرات إعجاب لا تفهمها‪ ،‬ولكنها تفهم‬
      ‫وحانيًا‪ ،‬ودافئًا بعض الشيء‪ ،‬يتجه نحوهما‪:‬‬      ‫إح ًساسا واح ًدا أنها جميلة وتمتلك طريقها‪ .‬صورة‬
                 ‫‪« -‬أختي شو صار‪ ،‬أنت بخير؟»‬          ‫لشاب في عمرها يبتسم لها‪ ،‬تشعر بابتسامتها له‪.‬‬
                                                       ‫ترى شار ًعا تظلله أغصان الأشجار‪ ،‬تستظل هي‬
       ‫تبقى الفتاة صامتة لا تتكلم‪ ،‬وتنظر وعيناها‬     ‫وهو بشجرة‪ ،‬ليقول لها كم هي جميلة اليوم‪ ،‬حتى‬
   ‫تبتعدان وتقتربان من نوم وشيك‪ .‬يبادر الشاب‬           ‫تعتقد أن كل العصافير على الأغصان تزقزق لها‬
                                                      ‫وحدها‪ ،‬لا ترى من الشاب إلا ابتسامة أحبتها مع‬
                                         ‫بالرد‪:‬‬       ‫سنه المكسور‪ ،‬غير قادرة على تخيل كامل ملامح‬
     ‫‪« -‬كانت عم تغرق‪ ،‬الحمد الله على سلامتها»‪.‬‬          ‫وجهه‪ .‬تعود لذاكرتها‪ ،‬صورة أخيها عندما لكم‬
   ‫يقترب أخوها من الشاب‪ ،‬يمد له يده ويصافحه‬           ‫صديق طفولتها بضربة قوية على وجهه‪ ،‬وشدها‬

                                          ‫بقوة‪.‬‬
      ‫ما تزال واقفة‪ ،‬بينهما يهمس الشاب في أذنها‬

                                       ‫مبتس ًما‪.‬‬
       ‫‪« -‬مش حكتلك الحياة أبسط مما تعتقدين»‪.‬‬
   ‫تنظر إلى ابتسامته القديمة‪ ،‬سنه المكسور‪ .‬تتذكر‬
  ‫دبوسها‪ ،‬جدار منزل الجيران‪ ،‬ظل شجرة‪ .‬تشعر‬

                    ‫أن قلبها عاد ليطير من جديد‪.‬‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86