Page 76 - m
P. 76

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪74‬‬

                                                  ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫نيروز قرموط‬

‫(فلسطين)‬

‫عباءة البحر‬

                      ‫‪« -‬كانت مع ابن الجيران»‪.‬‬      ‫تعو ُد إلى ذكرياتها مر ًة أخرى في مخيم كبير يعج‬
 ‫يصفعها أبوها على خدها صفع ًة لن تنساها طوال‬           ‫بالأطفال‪ ،‬يلعبون بالقلول‪ ،‬ويهود وعرب‪ .‬ترى‬
                                                        ‫نفسها في العاشرة تنط الحبلة مع صديقاتها‪،‬‬
    ‫عمرها‪ .‬تشدها أمها من شعرها‪ ،‬وتقول لأبيها‪:‬‬
                                 ‫‪« -‬أنا بوريها»‪.‬‬    ‫ترتدي فستا ًنا قصي ًرا‪ ،‬في زقاق رملي خلف ألواح‬
                                                    ‫الزينغو‪ .‬تترك الحبلة حين يسرق صديقها دبو ًسا‬
                             ‫صوت أمها يؤنبها‪:‬‬      ‫على هيئة فراشة عن شعرها‪ .‬يركض هار ًبا‪ ،‬تلحقه‬
     ‫‪« -‬هاي آخر مرة تطلعي على الشارع‪ ،‬خلصنا‬       ‫مسرع ًة‪ ،‬حتى تسقط الزنوبة من قدميها الصغيرتين‬
‫لعب‪ ،‬خلص كبرتي‪ ،‬ما عدت طفلة اطلعي على حالك‬
    ‫بالمراية؛ خدي شالة أختك لفي فيها شعرك‪ ،‬أما‬         ‫وهي تركض دون أن تشعر إلا برمال الأرض‬
                                                    ‫تحملها إلى طريقها رغم كل الحجارة‪ .‬تقع ويتسخ‬
                                ‫بنات آخر زمن!»‬    ‫فستانها‪ ،‬تنفض عنه رمل الشارع‪ ،‬وتعاود ملاحقته‬
      ‫تسمع بكاءها بأذنيها‪ ،‬تشعر بيديها تتلمسان‬
   ‫جسدها‪ ،‬تبحث عن مواضع كبرها؛ التي لم تعلم‬                                               ‫غاضبة‪:‬‬
                                                                                ‫‪« -‬هات الدبوس»‪.‬‬
                               ‫عنها إلا من أمها‪.‬‬                                ‫يجري‪ ،‬ويقول لها‪:‬‬
     ‫الجدران خانقة‪ ،‬تضيق مساحة المنزل‪ ،‬لا هواء‬                            ‫‪« -‬اذا بتقدري الحقيني»‪.‬‬
‫ينعش الصدر‪ ،‬أبوها يتعرق‪ ،‬الجو حار‪ ،‬ينادي أمها‪:‬‬     ‫يتعبان‪ ،‬ويقفان مستند ْين إلى جدار منزل الجيران‪،‬‬
     ‫‪« -‬وينكم يا جماعة‪ ،‬ما خلصتوا لبس‪ ،‬عجلوا‪،‬‬          ‫في حارة أخرى غير حارتهم‪ .‬يلهثان تحت ظل‬
                                                          ‫شجرة‪ ،‬يعطيها دبوسها مبتس ًما‪ ،‬يقول لها‪:‬‬
            ‫راحت الشمس‪ ،‬وأنتو لسه بتتلبسوا»‪.‬‬                            ‫‪« -‬حلو الدبوس عشعرك»‪.‬‬
  ‫تكمل الأم تتبيل السمك‪ ،‬تعم الفوضى الغرف بعد‬        ‫لا تعلم لماذا تتملكها سعادة العالم في ذاك الوقت‪،‬‬
‫سهرة الخميس‪ ،‬بضيافة بناتها وأطفالهن كما نهاية‬             ‫رغم غضبها الشديد منه‪ .‬لا تفهم مشاع َرها‬
                                                        ‫الطفولية التي تصعد وتهبط بقلبها بسرعة لا‬
                             ‫كل أسبوع‪ ،‬تصرخ‪:‬‬          ‫تستطيع تنف َسها‪ .‬ترى ذراع أخيها تلكم الشاب‪،‬‬
     ‫‪« -‬بكفي أنت وياه تلفوا حوالي خليني أخلص‬            ‫والشاب يلكمه وهي تبكي‪ .‬يشدها أخوها من‬
     ‫اللي بإيدي‪ ،‬كل واحد يروح عند أمو‪ ،‬وأنتن ما‬     ‫ذراعها‪ ،‬بعد أن رآهما مصادف ًة‪ ،‬وهو مار من ذات‬
 ‫خلصتنش شلح ولبس‪ ،‬وحدة فيكو تشوف أبوها‪،‬‬                     ‫الزقاق الرملي‪ ،‬وينعتها بنعوت لا تفهمها‪:‬‬

                          ‫آخ هم البنات للممات»‪.‬‬                                       ‫‪« -‬سافلة»‪.‬‬
   ‫هي في غرفتها لوحدها‪ ،‬تفرغ ما في خزانتها على‬         ‫يصلان إلى البيت‪ ،‬ويشتكيها أخوها لوالديهما‪:‬‬
‫سريرها‪ ،‬تخلع ملابس وترتدي ملابس‪ ،‬تستمر في‬
  ‫تبديل ملابسها‪ ،‬ولا شيء يعجبها‪ ،‬تحدث نفسها‪:‬‬
  ‫‪« -‬أوف‪ ،‬والله زهقت‪ ،‬الجو حر‪ ،‬وأنا مشوبة‪ .‬هو‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81