Page 72 - m
P. 72

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪70‬‬

                                                       ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫فاطمة الشريف‬

‫امرأة في المنتصف‬
‫ولا تكفيني المشاهدة‬

 ‫كلما مررت بعمود إنارة أو جدار فاصل أو زجاجة‬                     ‫امرأة في المنتصف‬
      ‫في سوبر ماركت‪ ،‬تخيلتها امرأة‪ ،‬ولا أستطيع‬                          ‫(‪)1‬‬

  ‫رؤيتها غير هذا‪ ،‬أتوق لمضاجعه امرأة‪ ،‬وضحكت‬               ‫يحدث أن تمر في شوارع كانت تعج بالفوضى‪،‬‬
  ‫من سخافات عقلي‪ ،‬لقد همشت المرأة طيلة حياتي‬               ‫فتجدها خاوية على عروشها‪ ،‬وتأخذ لفحة برد‪،‬‬
  ‫وجعلت وجودها مثل عدمه‪ ،‬المرأة‪ ،‬لماذا حضورها‬
                                                            ‫تتدثر بمعطف اشتريته منذ ثلاث سنوات ولا‬
                                   ‫القوي الآن؟!‬          ‫تهتم أب ًدا بما تلبس ولا متى تأكل‪ ،‬يعجبك ملبس‬
                                                        ‫على المانيكان فتقرر أنه الأنسب لك‪ ،‬تجوع فتدخل‬
                 ‫(‪)3‬‬                                     ‫المطعم القريب أو المعتاد لتأكل‪ ،‬ثم لا تفكر بشيء‬
                                                         ‫آخر‪ ،‬تلتقي أصدقاءك مصادفة‪ ،‬كل شيء يحدث‬
   ‫الموت قريب ج ًّدا‪ ،‬يا الله‪ ،‬دائ ًما أتحدث عن الموت‬     ‫من تلقاء نفسه‪ ،‬ولا عجب في هذا على حد علمي‪،‬‬
‫بشيء من البساطة‪ ،‬وأحلم أن يكون يوم له طقوسه‬               ‫ولكن يحضرني السؤال؟! لماذا تشعر بغصة في‬
                                                         ‫حلقك وخوف يرجف جسدك‪ ،‬عندما تمر في هذه‬
     ‫الخاصة‪ ،‬يقترب الموت كل لحظة مني ومن كل‬            ‫الشوارع التي كانت تعج بالفوضى‪ ،‬فتجدها خاوية‬
     ‫إنسان في هذه الأرض‪ ،‬عندما ارتفعت حرارتي‬
 ‫ومكثت وحدي في بيتي‪ ،‬تمنيت لأول مرة أن تكون‬                                              ‫على عروشها‪.‬‬
  ‫لي امرأة تمكث بجواري‪ ،‬تسقيني ملعقة الشوربة‬
‫وتدفئني بالغطاء‪ ،‬يصيبني ذعر عندما أسمع صوت‬                              ‫(‪)2‬‬
  ‫نعي أحدهم عبر الميكروفونات‪ ،‬أبكي دون صوت‪،‬‬
‫أهرب من الألم بالدواء‪ ،‬أهرب من الموت ببقاء عين َّي‬          ‫أمامي زفة للعروسين‪ ،‬سيارات تصدر صو ًتا‬
    ‫مفتوحتين‪ ،‬النوم يجذبني للموت ويفقد شغفي‬                ‫وغنا ًء وبهج ًة‪ ،‬يسرعون حتى لا يتعدوا مواعيد‬
   ‫للمرأة أكثر‪ ،‬كل ثانية ألوم نفسي كيف لا أرتبط‬           ‫الحظر‪ ،‬أبتسم في نفسي‪ ،‬أهز رأسي على الأنغام‬
                                                          ‫الصادرة من السيارات‪ ،‬ينتفض جسدي الواهن‪،‬‬
                              ‫بامرأة حتى الآن؟!‬        ‫وتعبر السيارات لشارع جانبي‪ ،‬كأن شيئًا لم يكن‪،‬‬
                                                       ‫فكرت لحظة لماذا يعيش المرء؟ وقلت في ذات اللحظة‬
                 ‫(‪)4‬‬                                      ‫حتى يشعر أن الأرض هي بيته والسماء سقفه‪،‬‬
                                                         ‫والهواء ملك له‪ ،‬تواردت الأسئلة؟ هل يكفي هذا؟‬
 ‫عندما تشكلت لدي صورة المرأة الغائبة عن عالمي‪،‬‬
 ‫أردت الزواج‪ ،‬شجعني على هذا سيارات الزفة التي‬
   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77