Page 69 - m
P. 69

‫‪67‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة‬

                                                   ‫السيد نجم‬

                   ‫«سرور» الذي تذكرته!‬

                                        ‫تلبسه‪.‬‬          ‫أيقن «محفوظ العتر» أن داء النسيان نال منه‬
  ‫في الزيارة التاليه‪ ،‬بدأ معه لعبة جديدة‪ ،‬طلب منه‬                                  ‫بمرور السنين‪..‬‬
 ‫إجراء بعض العلميات الحسابية البسيطة‪ ،‬بأرقام‬
                                                   ‫السهو واللبس والإحلال يشكلون ما يشبه مواقف‬
      ‫فردية ثم زوجية وثلاثية وهكذا‪ ،‬لعله ينشط‬         ‫الانقلاب الدرامي في حياته اليومية‪ ،‬يتندر عليها‬
                                 ‫ذاكرته‪ ..‬فشل‪.‬‬       ‫وبها الأصدقاء‪ .‬قرر أن يقف وج ًها لوجه متحد ًيا‬

‫في زيارة أخرى بادره الطبيب‪ ،‬طلب منه أن يسجل‬         ‫«النسيان»‪ ،‬شعر وكأنه يصارع تاريخ أيام عمره‪.‬‬
    ‫أسماء كل من يقابلهم طوال اليوم في ورقة‪ .‬لما‬     ‫بدأ على غير إرادة منه‪ ،‬لو أخطأ عف ًوا أو سه ًوا أو‬
                                                     ‫غفلة‪ ،‬ونادى على زوجته بثقة واطمئنان‪( :‬احضر‬
‫عاد إلى بيته‪ ،‬وذهب إلى السرير‪ ،‬هم بمحاولة تذكر‬
‫الأسماء‪ ،‬فسمع صوت شخير هين من بين شفتي‬                                  ‫فنجان القهوة يا «سرور؟!)‬
                                                    ‫قامت الدنيا ولم تقعد‪ ،‬كل الحيل الزوجية مارسها‬
  ‫زوجته المكتنزة‪ ،‬تلك الراقدة إلى جواره في سلام‬    ‫لعله برضيها‪ ..‬فأقسم أنه لا يعرف إحداهن اسمها‬
‫جميل‪ ..‬ألقي بالورقة والقلم على الأرض‪ ،‬فابتسمت‬      ‫«سرور»! لم تقتنع‪ ،‬ذكرته؛ أنه ينادى على «سرور»‬
‫من ضجيجه المتعمد الذي تعرفه‪ ..‬وفشلت محاولة‬
                                                          ‫كل ليلة في منامه‪ ،‬حتى بات أو باتت الغريم‬
                                        ‫التذكر‪.‬‬           ‫الخفي! فقرر مواجهة الملعون «سرور» هذا‪.‬‬
    ‫هذه المرة أمره الطبيب أن يكتب أمامه الأسماء‬        ‫بالبحث عن أصل الكلمة في المعجم‪ ،‬وجد السر‬
                                                       ‫وأسرار‪ ،‬السريرة والسرائر‪ ،‬سرة الوليد التي‬
      ‫التي ترد إلى ذهنه‪ .‬بدأ «محفوظ» اللعبة‪ ،‬بلا‬      ‫تقطع بعد الولادة‪ ،‬ومنها السرير وسرر الشهر‬
  ‫أدنى شعور بالتحفظ أو المبالاة‪ ،‬كتب‪( ..‬سرور‪..‬‬       ‫حيث يختفي القمر لليلة أو ليلتين‪ ،‬وأسرار الكف‬
‫سرور‪ ..‬سرور) حتى اسودت الصفحة كلها! كمن‬                ‫والجبهة وهي خطوطهما ومنها أسارير‪ ،‬ومنها‬
  ‫كتب اعترافاته عن جريمة لم يقترفها‪ ،‬وبقى على‬            ‫أي ًضا السراء أي الرخاء‪ ..‬حتى كانت الطامة‬
  ‫المحقق إعلان الإدانة‪ .‬هذا ما شعر به «محفوظ»‪،‬‬          ‫الكبرى‪ ،‬ما قاله «الأخفش»‪ :‬الكلمة مشتقة من‬
                                                         ‫السرور لأنه يسر بها‪ ،‬يقال «تسرر» جارية‬
                   ‫انتفض الطبيب واق ًفا‪ ،‬يصرخ‪:‬‬        ‫وتسرى! لعل زوجته عرفت ما قاله «الأخفش»‪،‬‬
   ‫(من هو؟ من «سرور» هذا؟!‪ ..‬تكلم‪ ،‬أنت تعرفه‬
                                                              ‫وفهمت أنه ينادي على الجارية كل ليلة!‬
                                         ‫أكيد!)‬      ‫عاد وقرر الذهاب إلى عيادة الطب النفسي‪ ،‬خلال‬
 ‫فابتسم محفوظ‪ ،‬وأخبره بما كان من زوجته يوم‬
                                                                        ‫الزيارة الأولى‪ ،‬أمره الطبيب‪:‬‬
    ‫أن نادى عليها بـ»سرور»‪ ..‬الطبيب لم يبتسم‪.‬‬              ‫(تكلم)‪( ..‬عم أتكلم)‪ ،‬بانفعال أمره الطبيب‬
                  ‫بهدؤ وثقة تابع محفوظ العتر‪:‬‬       ‫بالحديث عن أي شيء‪ ،‬لم يستجب وكأن الخرس‬

 ‫(يا سيدي‪ ..‬لم أعرف في حياتي سوى «العسكري‬
‫سرور»‪ ،‬حامل قاذف اللهب الذ‪ ،)..‬قاطعه الطبيب‪،‬‬
 ‫أمره بالنوم فوق سرير الفحص أو ًل‪ .‬ما إن اعتلى‬
   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74