Page 115 - merit 45
P. 115

‫‪113‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫المونودراما‬

    ‫يموت الآخرون بين يديك‪ ،‬وأرحم من أن يمو َت‬
‫الجدار وتموت ليلى‪ ،‬وأرحم من أن تعمل ن َّسا ًجا ُي ِع ُّد‬

    ‫الأكفان له وللآخرين‪ .‬أتعرف؟ نعم نعم بالتأكيد‬
    ‫تعرف‪ ،‬سبق وأن قل ُت لك‪ ،‬أو يمكن أن تكون قد‬
   ‫شاهد َت كل شيء في نشرات الأخبار وفي الأفلام‬
  ‫الوثائقية‪ ،‬كثيرون ماتوا في الطريق‪ ،‬وأنا لا أعرف‬
     ‫ح ًّقا هل م ُّت أنا أي ًضا ام أنني وصل ُت سالمًا إلى‬

                                       ‫اليابسة‪.‬‬
    ‫يبدو عليه الخوف‪ ،‬يتحرك بتخبط‪ ،‬يضطرب‬
 ‫صوته ويبدأ بالصراخ‪ :‬يا إلهي اليابسة! اليابسة!‪،‬‬
     ‫يجري مسر ًعا نحو وعاء الماء‪ ،‬يجلس يتنهد‬

                 ‫ويشعر بارتياح كبير ويبتسم‪.‬‬
                         ‫الرجل الجالس في الماء‪:‬‬

‫«يغمض عينيه ويحرك يديه في الماء كمن يسبح‬
  ‫في الحلم»‪ ..‬أخبرني بصدق‪ :‬هل شاهدتني ساب ًقا‬
    ‫في نشرة الأخبار‪ ،‬هل وصلت جثتي إلى الشاطئ‬
  ‫محش َّو ًة بالحروب والثارات والأسماك والطحالب؟‬
       ‫آه تذكر ْت‪ ،‬من الغباء أن أسألك فأنت الشاهد‬
  ‫الصامت‪ ،‬تعال‪ .‬تعال واجل ْس معي هنا‪ ،‬منع ٌش هذا‬

 ‫الماء‪ ،‬منع ٌش‪ ،‬داف ٌئ‪ ،‬وحنون‪ .‬كن ُت دائ ًما عندما أشعر‬
‫بقساوة التراب في الحقل‪ ،‬بالحصى الساخن الواخز‪،‬‬
‫أتجه فو ًرا إلى النهر‪ ،‬استحم من كل شيء‪ ،‬من الغبار‬

  ‫والحزن والوحشة‪ .‬هل تصدق؟ كنت أخاف التراب‬
                    ‫ولكنني لم أ َخ ْف من الماء يو ًما‪.‬‬

   ‫«يغمض عينيه من جديد ويحرك يديه في الماء‬
   ‫كمن يسبح في الحلم‪ ،‬ثم فجأة يغطس في الماء‬
‫ويقوم بالحركات التي يقوم فيها الغريق‪ ،‬ويعود‬
     ‫مجد ًدا إلى وضعية الجلوس‪ ،‬يشعر بارتياح‬

                                       ‫شديد»‪.‬‬
                         ‫الرجل الجالس في الماء‪:‬‬
   ‫عندما مات أبي حفروا حفر ًة كبير ًة‪ ،‬ل ُّفوه بقما ٍش‬
   ‫أبيض‪ ،‬وضعوه فيها‪ ،‬ثم أهالوا التراب‪ ،‬لقد ابتلع‬
 ‫التراب أبي‪ ،‬جدران بيتي كانت من تراب‪ ،‬وأنا أي ًضا‬
   ‫ُخلقت من تراب‪ ،‬حقلي كان ترا ًبا أي ًضا ويحتضن‬
      ‫البذور كي لا أجوع‪ ،‬ومع ذلك كنت أخاف من‬
  ‫التراب‪ ،‬لم يكن ثابتًا تحت قدمي‪ ،‬كل الأغاني التي‬
  ‫كانت تبثها الإذاعة الوطنية والتي كانت تمدحه لم‬
‫تستطع أن تثبته تحت قدمي‪ ،‬كل الخطابات التي كان‬
  ‫يلقيها المسؤولون والرياضيون والأطباء والوزراء‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120