Page 116 - merit 45
P. 116
العـدد 45 114
سبتمبر ٢٠٢2
على الحزن والغناء ..مرة طلبت منها أن ُتشفي أمي والسحرة لم تستطع كذلك ،كلما سمعت وعودهم
من ال ُح َّمى ،لكن أمي بعدها بسنة واحدة ماتت من كنت أشعر بأنني أنزلق أكثر ،أغوص أكثر في الرمال
البرد ..تلك النجمة تشبه بلادي بعيدة ومنهكة لكنها المتحركة ،فيحرقني ويخنقني العطش ،وعندما جاءت
مضيئة. الطائرات وأحرقت التراب تحت أقدامنا عرفت أنني
يدير رأسه باتجاه الرجل وراء الطاولة كنت على حق ،لم يقدر التراب على حمايتنا ،وحده
الماء ،كان الملاذ ،أطفأنا به النيران ،شربنا حتى ج َّف
الرجل الجالس في الماء:
حقيبتي التي ضاعت مني في الغابات كان فيها الخوف وسقط عن جذوعنا كالأوراق اليابسة.
نجمة أي ًضا لكنها أصغر من هذه وأقسى ،صنعتها يغطس مجد ًدا في الماء حتى يشار َف على
أمي من خرز عقدها ،ظلت تحك الخرزة بالسكين
حتى صارت على شكل نجمةُ .ترى هؤلاء الذين لا الاختناق ،يخرج رأسه ويتنفس بقوة ،ثم يهدأ.
يسهرون سهرات الحصاد ،ماذا يفعلون بالنجوم؟ الرجل الجالس في الماء:
والذين لم يخسروا بلادهم على طاولة القمار ،بماذا
كانوا يعبرون كأرتال الأحصنة البرية ،يعبرون
يشبهون النجوم؟ ومن عيونهم تخرج الصواعق والبروق ،أصواتهم
فجأة يتلفت يمن ًة ويسر ًة بذعر ،يبدأ بالسعال مهرجانا ٌت من الرعد ،وأياديهم الممتدة إلى الأعلى
الشديد وكأنه يختنق ،يجري باتجاه الوعاء، أشجا ٌر وأسئلة ،كانوا يصرخون بكلمات لم أتبينها،
يجلس وسطه ..وروي ًدا روي ًدا يشعر بالهدوء ،ثم لم أفهم تما ًما مغزاها ،لكنني شعرت شعو ًرا مبه ًما،
أحببتهم ،أحسست بأنهم إخوتي الذين كنت انتظرهم
يبدأ اللعب بالماء كالأطفال. كي يعبروا .عبروا ولم يعودوا ثانية ،وانتظرتهم
الرجل الجالس في الماء: كثي ًرا كي يمروا ثاني ًة ،وحين سأل ُت عنهم من فرط
اشتياقي ،قالوا برعب :لا تسأل ثاني ًة ،لكنني عرفت
ما الذي تريده الصحراء منَّا؟ نحن أبناءها الضالعين فيما بعد بأن الطائرات أكلتهم أي ًضا وهم يغنون،
في التيه ،ما الذي يريده الأجداد من أيامنا ،حتى
يدخلوها و ُيكملوا حروبهم القديمة التي لم تنت ِه تساقط من أغنياتهم القمح ،فامتلأت الطرقات
بموتهم؟ ورثنا أسماءهم وغزواتهم وقطعانهم بالسنابل والرسائل ،حط ْت طيو ٌر على أكتاف
الكلمات ،وصار الحما ُم طف َل المنازل ،لكنهم لم
وبساتينهم ،ورثنا قصائد فخرهم وسيوفهم ،ورثنا يعودوا ثاني ًة ،ولم يعد أي شيء مثلما كان ،سقطت
ملامحهم .لكننا أضعنا الجها ِت التي كانوا يأتون الجدران والأبواب والمصانع والمستشفيات تحت
منها ،الجها ِت التي كانوا يدخلون منها ويخرجون أقدام الطائرات .هل تكتب في أوراقك يا سيدي؟!
اكتب إذن ..للطائرات أقدام كبيرة وأفوا ٌه تقذف
من الحروب .أضعنا حتى اقتتلنا مع أهلنا وأحرقنا النيران ،وللأغنية شعر أشقر ومسكي ٌن كالعشب
خيامنا .أعرف يا سيدي قد لا يعنيك كل هذا الكلام،
اليابس.
ولكن إذا ما ُق ِّدر لي أن أعيش بينكم ستعرف أن يخرج من الوعاء ،يدور في المسرح أكثر من مرة
كوابيسي ستعيش هي الأخرى بقربي ،تجرني من
فار ًدا ذراعيه مقل ًدا بصوته الطائرات ،يشعر
أذني حتى أصرخ من الألم. بالتعب ،يستلقي على ظهره ،يفرد ذراعيه على
يخرج من الوعاء يجلس باستقامة ويبدأ حدي ًثا
جانبيه ويحدق في الأعلى.
جد ًّيا. الرجل الجالس في الماء:
الرجل الجالس في الماء:
إذا ما عشت بينكم سأحاول أن أكون كائنًا لطي ًفا، انظ ْر إلى تلك النجمة .أتراها؟ أنا أعرفها جي ًدا،
سأتعلم لغتكم وأقول مرحبًا للجميع ،سأعمل أي وأعرف اسمها .لكنني نسيته الآن .نسيت أسما َء
عمل يتيسر لي ،وسأحاول أن أنسى الحرب التي كثيرة من هول الرحلة .ولكنني أذكرها تما ًما .كانت
تتفتح في عقلي كالدمامل ،لن أزعج أح ًدا بشكواي ،أنا
لم أكن أشكو أسا ًسا ،لم أكن أتجرأ على الشكوى ،لم تسكن سماءنا في ليالي الحصاد ،تضيء البرية
يكن هنالك من يسمعني. الواسعة حتى لا ُيتعب الظلام أعيننا .كانت تعيننا