Page 117 - merit 45
P. 117
115 إبداع ومبدعون
المونودراما
ستنجب ول ًدا أسم َر كالعنب ،وأنا قل ُت إنني أري ُد يتهدج صوته يبدأ ببكاء هيستيري وعويل ..ثم
ول ًدا أشقر كالقمح ،لكننا لم نتزوج وخسرنا أولادنا، يهدأ تدريج ًّيا ويعود إلى جلسته المستقيمة.
الرجل الجالس في الماء:
الطائرات قصفت البيت وقصفت ليلى وقصفت ماتت أمي من البرد ،أغلق ُت الشبابيك ،شبابيك
أولادنا ،وأنا هنا الآن يا سيدي أصنع من يد َّي
الأرض كلها ،أشعل ُت كل حطب الدنيا ،لكنها كانت
مجذافين. ترتجف وتصرخ أنا بردااانة بردااانة ج ًّدا .فجأ ًة
يبدأ بتحريك يديه كالمجذافين في الوعاء محاو ًل خرج كل برد عمرها ووقف قبالتها دفعة واحدة ،برد
تحريكه إلى الإمام من دون جدوى ،ويتكلم وهو غربة أولادها ،برد جفاء أبي ،برد الحقول والبيوت
الطينية والجري وراء الدجاج والأبقار ،خرج كله
يحرك يديه.
الرجل الجالس في الماء: دفعة واحدة ،لم يستطع أي شيء في العالم أن
عشت عمري أج ِّدف في التراب والهواء والماء والرمل، يجعلها تشعر بالدفء .عندما أمسك ُت بيدها شعر ُت
عشت عمري أجذف ولم أستطع أن أتقدم خطو ًة بأني أمسك بقطعة جليد ،لكنها ش َّد ْت على يدي بقوة
واحد ًة ،كل شيء كان يشدني إلى الخلف ،حكايات وكأنها تقول :خذ ،خذ هذا البرد الذي زرعتموه في
جدتي ،وصايا أبي ،دموع أمي ،خوف ليلى من الحب،
وعطش الأشجار ،كل شيء كان يصرخ :لا تتحرك، عظامي ،خذه كي تعرف طعم الحياة التي عشتها،
ممنو ٌع أن تتحرك ،لكنني أخي ًرا ،وبضربة حظ نجوت خذه واتركني أرحل من دونه ،ثم أغمض ْت عينيها
من الموت ووصلت إلى هنا ،ولكن هل وصلت اليابسة
دفعة واحدة وللأبد.
ح ًّقا يا سيدي؟ يعاود البكاء من جديد ثم يهدأ تدريج ًّيا.
يتوقف عن تحريك يديه ،يستند بمرفقه على
الرجل الجالس في الماء:
حافة الوعاء ،ويتحدث كالحالم. هي أي ًضا ابتلعها التراب ،تركتني با ًبا مفتو ًحا
الرجل الجالس في الماء: تدخله كل رياح الأرض ،تركتني راي َة جي ٍش مهزوم
لا يرفعها أحد ،هل أي ًضا صارت جز ًءا من تراب
في الخيمة كان الصيف أشبه بالسحر ،أستيقظ الوطن؟ هذا هو الوطن بالضبط ،ترا ٌب مجموع من
صبا ًحا لأرى حضني مليئًا بالندى. أجساد أجدادنا ،لذلك نح ُّن إليه دائ ًما ونبكي عليه
دائ ًما ،صرت أكره العودة إلى البيت ،إلى المكان الذي
حبات الندى كانت تلمع كالألماس ،كانت تنظر إلي مات فيه أبي وماتت فيه أمي ،بني ُت خيم ًة في الحقل،
بعيو ٍن من حب ،حينها أدركت أن الماء سيكون وصرت معظم أوقاتي هناك مع بقرتي التي تفهمني
قدري. جي ًدا ،ولكن حتى البقرة بعتها أخي ًرا يا سيدي كي
يبدأ بالغناء. أصل إلى بلادكم ،وها أنا هنا معلق بين ..بين ..بين..
َيا بح ُر جئت َك َحائ َر ال ِوجدا ِن يلتفت حواليه ،يشعر بخوف شديد ،يعود
أشكو َجفا َء ال َّده ِر للإنسا ِن
يا بح ُر خا َصمني ال َّزما ُن وإ َّنني بسرعة إلى وعاء الماء.
ما عد ُت أعر ُف في ال َحيا ِة َمكاني(.)3 الرجل الجالس في الماء:
وها أنا الآن هنا ،عال ٌق بين اليابسة والماء ،لا أهل لي،
كنت أحب القصص ج ًّدا ،وأحب القصائد ،كنت أقرأ ولا أصدقاء ،لا أستطيع أن أحدد بالضبط ما الفرق
كل الكتب التي تقع تحت يدي ،لا أدري بالضبط بين أن أموت وبين أن أعيش وحي ًدا.
أظن أن عمري الذي مضى هو عمري الحقيقي،
ما الذي كان يسحرني فيها ،ولكن في الغالب كانت أما أيامي التي سأعيشها هنا فهي أيام فائضة عن
تتحدث عن أشخاص يشبهونني ،لهم لون عيوني عاطفتي ،طلبت مني ليلى أن أعود إلى القرية فعد ُت،
وطريقتي في المشي والتلويح والبكاء ،ولهم طريقتي لكنني لم أقتلع الخيمة ،شعرت بأنني سأكون دائ ًما
في الضياع والحب ،لكنهم للأسف لم يصلوا معي بحاجة إليها ،طلبت مني ليلى أن نتزوج ،قالت أنها
إلى هذه البلاد ،أنا وحيد الآن ،أنا الورقة الوحيدة في
الكتاب ،أنا مطل ٌع مكسو ٌر لأغنية حزينة ،أنا عصفور
بلا سماء ولا أشجار ولا حتى قفص.