Page 113 - merit 45
P. 113
111 إبداع ومبدعون
المونودراما
فقالوا :ستنام الليلة في القبر. يصحو ويدرك أنه خارج الوعاءُ ،يصاب بالهلع
ويعود مسر ًعا ليجلس وسط الإناء ويبدأ
يبدأ بغناء أغنية حزينة بالحديث وهو يرتجف.
الرجل الجالس في الماء:
الرجل الجالس في الماء:
يا إلهي ..يا إلهي كدت أموت ،لقد ملأ الرمل رئت َّي،
رحمة الله على سيدتي ماذا كنا نقول يا سيدي؟ آه تذكرت ..كنت أسألك:
هل تعرف ليلى السمراء كعنقود العنب؟ لا يهم يا
وسقى الله ثراها وجزاها(.)2 سيدي ،لا يهم إن كنت لا تعرفها ،المهم أنني أقف
أمامك الآن نياب ًة عنها وعن كل الذين قتلوا ،مذ كنا
رحمة الله علينا جمي ًعا يا سيدي ،على الحقول صغا ًرا لم تكن ليلى تحب الطائرات ،كنا عندما نرى
والبيوت والناس ،على أشجارنا وشوارعنا واحد ًة في السماء العالية نجري بأقصى سرعة ،نلوح
لها ،ونغني لها .ليلى كانت تبكي حينها وتقول ما
وحيواناتنا ،على بقرتي ..أتعرف يا سيدي ماذا حل يشبه الشعر الغامض والساحر ،كانت تقول« :هذا
الهدير يخز قلبي» ..أنا لا أقول إنها نبوءة لكن ليلى
ببقرتي؟ بعتها كي أدفع المال للمهرب الذي أخرجني
تفهم ما يقول قلبها أكثر من الجميع.
من جحيم الحرب وأوصلني إلى هنا ،في الحقيقة لم يبدأ بالتمايل وسط الماء ثم يبدأ بالغناء.
يكن ط َّما ًعا كغيره ممن يعملون في مهنة التهريب، الرجل الجالس في الماء:
أكتفى بثمن البقرة وتكفل بكل شيء ،وصرت أنتقل أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدا َر وذا الجدارا
من يد مهرب إلى يد آخر حتى وصلت إليك أخي ًرا، وما حب الديار شغفن قلبي
مشيت في الغابات وسبحت في الأنهار ،نمت في العراء ولكن حب من سكن الديار(.)1
وشعرت بالبرد وبالحر ،طريقي كان أطو َل مما أظن، أتعرف يا سيدي .كنت أح ُّب ليلى وأحب الجدار
أي ًضا ،أو بالأحرى مؤخ ًرا فقط أحببت الجدار ،كان
وأقسى مما أظن ،كل هذه المعاناة من أجل أن أهرب يفصل بيتنا عن بيت ليلى جدا ٌر من الحجر الأسود،
لطالما حلمت في مراهقتي أن يتهدم حتى أرى ليلى
من وطني ،من أجل أن أبتعد عن بيتي قدر المستطاع، في كل دقيقة ،ولم أكن أتخيل أن أكثر مواجعي
س ُتثار حين ينهدم ،عندما جاءت الطائرة وعبرت
بيتي الذي أخفيه تحت جلدي كالوشم لكنه كلما كالمجنونة فوق البيت ،ألقت ِحم ًما حارق ًة ،فته َّدم
الجدار وتهدمت ليلى ،كنت حينها في الحقل أفك أقدام
أحببته أكثر أحرقني أكثر. بقرتي التي علقت في سياج الشوك ،ولم أكن أدري
أن شوك ًة بحجم وطن ستعلق بقلبي ،عندما سمعت
يخرج من الماء ،ينتصب قرب الوعاء ،يفك سترة الصوت الهائل التصقت ببقرتي الخائفة إلى أن هدأت
زوبعة الغبار البعيدة التي حامت فوق البيوت ،لم
النجاة ويلقيها بعي ًدا ،ويبدأ بالدوران حول نفسه أتبين أول الأمر أي جدار سقط ،وأية ليلى سقطت،
كالأطفال ،ثم يتوقف فجأة. قد ُت بقرتي واقترب ُت من القرية فلم أ َر بيتي ولا
بيتها ،وقال لي الجيران :الحمد لله على سلامتك ،من
«يشير بسبابته إلى الرجل الجالس وراء حسن حظك أنك لم تكن في البيت ،صحيح أنه من
حسن حظي يا سيدي؟ أم تعتقد أنه من سوء حظي؟
الطاولة» لم أجد بيتي ولا بيت البقرة ولا بيت ليلى ،سألتهم
الرجل الجالس في الماء:
ألا تريد أن تسألني عن أي شيء ،أتظن فع ًل أنك
تعرف كل شيء؟ صدقني أنت لا تعرف شيئًا،
ببساطة أنا مثلك يا سيدي ،عندي ما ٍض وذكريات
أحرقتها الطائرات لكنها لم تستطع أن تمحوها ،كل
الذين ماتوا ما زالوا يعيشون هنا« ،يشير بسبابته
إلى رأسه بتواتر متلاحق وبعصبية» ،ما زالوا
يعيشون في رأسي ،ذاكرتي مقبرة واااسعة ،فيها
ناس وبساتين و ُهو َّية ،ولكن من أنت؟ آه ..أعرف
أنه ليس من شأني أن أعرف من تكون ،فأنت مجرد
شاهد ،وأنا البطل في كل ما يحصل ،أنا من باع
إلى يفديفقعارثمٍبنمتذطاكطر ٍةٍّي بقرته كي يشتري مقع ًدا صغي ًرا
يتجه إلى الموت ،هل رأيت غيري
الموت .اضح ْك .اضح ْك .اضحك عليَّ وعلى معاناتي
وعلى القارب والبقرة والمُه ِّرب .الموت أرحم من أن