Page 110 - merit 45
P. 110
العـدد 45 108
سبتمبر ٢٠٢2
علاء الدين مصطفى عياد
الرجل الذي قتلته دجاجة
أن أجده مرميًّا في التراب .اصطدمت بها من الخلف، ()1 آخ ُر ما قال ْته:
لم تلتفت إل َّي لتشتمني وبدأ ْت سيرها.
في أالنجأبرناةهاب ِّوتتشحوت ُلردغيجافجا ٍةل،عيتأتشيياعلوىلاادل.رغيف حتة
الطريق كانت ممهدة رغم الزحام لتأكل خطواتها، قبل
وخطواتي .لم أستطع اللحاق بها أب ًدا ،كلما تخيلت نقرا ٍت متتالي ٍة ببو ِزها المُد َّب ِب ،ثم تجري.
من ميدان رمسيس إلى شارع عبد الخالق ثروت،
أنني اقتربت منها ،كلما تخيلت أنني محتاج فقط ومنه خ َّرم ُت إلى شارع طلعت حرب ،أمام بار ستلا
لأن أمد يدي ناحيتها لأمسكها؛ أصطدم بسائر في وقفت ،ألتقط أنفاسي وأدعك صدري مطمئنًا قلبي
الاتجاه المقابل فألتفت خلفي لأعتذر له ،أو يتخطفني الذي يدق بعنف بأن كل شيء سيكون جي ًدا ،وأنني
لن أموت الآن .المحزن أن الفرصة التي ف َّوتها قد
بائع ليعرض عليَّ بضاعته ،أو تكبح سيارة في لا تأتي مرة أخرى .رفعت رأسي لأجدها ،هي
اللحظة الأخيرة فراملها قبل أن تصدمني. بشحمها ولحمها ،تقف على بعد خطوتين مني،
نسيت آلام صدري وركضت ناحيتها.
أفقد أعصابي .كيف استطاعت بنت الكلب أن توحد من ميدان التحرير إلى شارع القصر العيني ،ومنه
كل الظروف ضدي؟ خ َّرمت إلى كورنيش النيل ،أمام معهد الأورام وقفت
غصبًا عني ،أشعر بألم فظيع في صدري ،أنهج
()3 كأنني ألفظ أنفاسي الأخيرة ،أبكي لأنني أموت
شار ًدا في جدوى ملاحقتي إياها ،متتب ًعا أسبابي وحي ًدا ،وليست الكارثة أن أٍموت وحي ًدا على ناصية
المحتملة التي حين ألقيها عليها دفعة واحدة أراها شارع يطل على النيل؛ الكارثة أن سبب الوفاة تافه،
تقتنع وتخبرني كيف تحولت دجاجة؛ حدث ما لم وسيكتبون على قبري :هنا يرقد الرجل الذي قتلته
دجاجة.
يكن متوق ًعا. رفعت رأسي لأجعل النيل آخر ما تراه عيناي،
لقد وقف ْت ،أنا الآخر وقفت ،قلبي يدق بعنف ،وآلام لأجدها واقفة في منتصف الطريق ،السيارات
صدري لا تحتمل ،أستطيع أن أقول إنني سأموت المسرعة تتفاداها في اللحظة الأخيرة .معقول تكون
بنت المجنونة فعلت كل هذا لأنقذها!
لو لم ينقذني أحد .ما زالت تعطيني ظهرها،
السيارات المسرعة تتفاداها في اللحظة الأخيرة، ()2
وكلما انحرفت سيارة تتغير هيئتها ،مرة ينبت لها شربت الشاي في قهوة النمس ،وحين هاتفني
ساقان ،ومرة مؤخرة ،ومرة عمود فقري وكتفان،
صديقي قمت مسر ًعا لأقابله في شارع القصر
التفتت ،أخي ًرا التفتت. العيني.
()4 تمنيت لو أركب تاكسي يوصلني إلى هناك ،لكن
تطوع أحد الحاضرين بحمل الرأس الملقاة على الزحام الخانق حت ًما سيؤخرني .مشيت مجب ًرا،
الرصيف ،ووضعها بجوار الجسد ،في منتصف أنظر في الأرض باحثًا عن الكنز الذي طالما تمنيت
الطريق ،على الإسفلت البارد.
سيحضر رجال الشرطة قريبًا ،قريبًا ج ًّدا ،يتقدمهم
ضابط ،قلبه قوي ،ويرتدي نظارة شمسية رغم أن
الظلام هبط.