Page 106 - merit 45
P. 106
العـدد 45 104
سبتمبر ٢٠٢2
كرم الصباغ
روح
قاحلة ،حقل شعير ،أضناه الظمأ ،وأوشك أن يهلك؛ هل يمكنني التحدث إليك في اللحظة الآنية؟! أدر
فما كان مني إلا أن تشكلت على هيئة غيمة ،ورحت وجهك ،وانظر إلى .آه! نسيت أن أخبرك أنك لن
أهطل بغزارة فوق تلك البقعة ،التي حاصرها الموت تراني؛ فأنا مجرد روح ،فارقت جسدها .لقد حدث
من كل جانب .هطلت بغزارة ،حتى ارتوت العيدان ذلك منذ زمن بعيد .أجدني أتعجب من هؤلاء ،الذين
الظامئة .هطلت بغزارة لدرجة أن أصحاب الحقل، يحاولون الحط من قدر الأرواح ،التي مات عنها
أصحابها؛ إنهم لا يتورعون عن إلصاق الشرور
راحوا يطلقون الأعيرة النارية من فرط الفرح. والآثام بتلك الأرواح المسكينة طوال الوقت .أعرني
وأول أمس تنازلت عن كوني رو ًحا تجيد التحليق، سمعك قلي ًل .ما لي أراك لا تغادر مقعدك الرخامي،
وتحولت إلى ساقين صناعيتين ،وألقيت نفسي أمام بينما لا يفارق ذلك الكتاب يديك؟! أراك تحملق
باب جندي قعيد ،بترت ساقاه في حرب ضروس، منذ ساعة إلى تلك الصفحة بالذات ،وعلى ما يبدو
جندي لا يغادر كرسيه المتحرك ،ومن وقت إلى آخر أنك لا ترغب في قلبها أب ًدا .ها هي الأشجار ترخي
تتحسس يداه المرتعشتان عشرات الأوسمة ،التي أغصانها الشائكة فوق رأسك ،ألم تشعر بعد بمقدار
تزين صدره ،وسرعان ما يزفر من فرط الحسرة ما نزفته جروحك من دماء ،تخثرت منذ زمن بعيد
والسأم؛ إذ كان يعاني من عزلة تامة وآلام مبرحة، فوق وجهك المربد؟! ألم تدرك بعد أن تلك الحديقة
بعد أن نسيه الناس تما ًما؛ فما عاد أحد يطرق بابه
لي ًل أو نها ًرا .أود أن تعلم أن ذلك الجندي بعد أن الصامتة صمت القبور ،ليست المكان المناسب
للاستجمام؟! هل أبصرت تلك الطيور الرمادية،
شد أربطة ساقيه الجديدتين ،لم يقدم على زيارة التي حطت على الأغصان المثقلة بالشوك؟! أنصت؛
أي من الأحياء ،بل اتجه إلى المقابر بعينين دامعتين، إنها تصدر أصوا ًتا ،تشبه الألحان الجنائزية ،و من
ومن ساعتها وهو يرابط بجوار قبر زوجته ،التي وقت إلى آخر تصدر نشا ًزا ،يصم الآذان.
ماتت في ليلة مطيرة؛ إثر أزمة قلبية مفاجئة .كانت
()٢
تحتاج ساعتها إلى دواء ،مجرد أقراص ،عجز
الجندي عن جلبها؛ إذ حالت قدماه المبتورتان بينه لدي سجل أبيض من أفعال مضيئة ،قلَّما أقدمت
روح تحررت من جسدها على الإتيان بها؛ فبالأمس
وبين ذلك .ليلتها حبا على بطنه ،حتى وصل إلى
الباب ،وبعد أن فتحه ،راح يستغيث بالجيران ،لكن فقط رأيت حقل شعير يقبع وحي ًدا وسط صحراء
أح ًدا لم يجبه؛ إذ أصم قصف الرياح ،ونقرات المطر،