Page 104 - merit 45
P. 104

‫العـدد ‪45‬‬                ‫‪102‬‬

                                                           ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

‫محمد ممدوح‬

‫سّلم يتطّلع إلي السماء‬

    ‫أصد َر السلَّم موسيقي أوكورديون أكثر بهج ًة‬            ‫خرج ْت ثما ِن درجا ٍت إسمنتية من إحدي الأسطح‬
  ‫وجنو ًنا‪ ،‬فاقترب ْت نجوم‪ ،‬غيمات‪ ،‬طيور‪ ،‬وتح ّرك ْت‬                                  ‫إلى الفراغ‪.‬‬
                                                           ‫تركها البنَّاء معلَّقة بلا حجر ٍة تصل إليها‪ ،‬لاختفائها‬
     ‫سلالم وحجرات‪ ،‬مما تسبَّ َب في تش ُّقق حوائط‬           ‫من ذاكرته فجأة‪ .‬يغ ِّطي السطح بيتًا صغي ًرا مغل ًقا‪،‬‬
   ‫أوشك ْت علي الانهيار‪ ،‬وانحناء جباه بيو ٍت كاد ْت‬                   ‫فبدا كذن ٍب أراد صاحبه نسيانه للأبد‪.‬‬

     ‫أن تلام َس الأرض‪ .‬بحث أصحابها عن مصدر‬                 ‫وحي ًدا بعد صبِّه وإزالة‬  ‫السَّلم الإسمنت َّي نفسه‬  ‫وجد‬
‫الموسيقي‪ ،‬الذي أرا َد انتزاع حجراتهم وسلالمهم من‬           ‫تمنَّي أن يكون كالسلَّم‬   ‫الأخشاب عن درجاته‪.‬‬        ‫ِق َطع‬

          ‫أماكنها ليجلسوا في الشوارع بلا مأوى‪.‬‬             ‫الحجر ِّي الواصل من جوف البيت إلي السطح‪ ،‬ينعم‬
                                                           ‫بالظل والدفء بعي ًدا عن الأمطار وحرارة الشمس‪،‬‬
     ‫أحاطوا البيت من كل جانب‪ ،‬لكنهم فشلوا في‬               ‫لكن كان مثله بلا أث ٍر لقد ٍم وطأ ْت درجاته‪ ،‬أو‬
   ‫اقتحامه وح َّذروا الأولاد من اللعب أمامه‪ .‬قذفوا‬                            ‫أصوات بش ٍر آنس ْت وحدته‪.‬‬
‫السلَّم بالأحجار ليتوقف عن إصدار الموسيقي‪ ،‬لكنه‬            ‫ف َّكر بأسي في الحجرة التي يود أن يص َل إليها في‬
                                                           ‫السماء‪ .‬نظر بحز ٍن إلي ترا ٍب ناعم غ َّطي درجاته‬
  ‫نفضها عن درجاته باستثناء خدوش أخذ ْت وقتًا‬
                                         ‫لتلتئم‪.‬‬                        ‫الإسمنتية بانتظار دفقة تنعش روحها‪.‬‬
                                                           ‫في الأيام الحارة تقترب درجات السلَّمين من‬
    ‫عندما م ِر َض البنَّا ُء‪ ،‬تذ َّكر حجر ًة بيضاء ظهر ْت‬     ‫بعضهما‪ ،‬يم ِّرر السلَّم الحجر ُّي هوا ًء رطبًا من‬
 ‫وسط سحابة أط َّل من نافذتها ول ٌد يبتسم‪ .‬اقترب ْت‬         ‫جوف البيت للسلَّم الإسمنت ِّي الذي يبادله‪ ،‬متحو ًل‬
  ‫من السلَّم الإسمنت ِّي‪ ،‬لكنها ابتعد ْت في آخ ِر لحظ ٍة‬
                                                               ‫لأوكورديون‪ ،‬موسيقي مبهجة حتي الصباح‪.‬‬
     ‫بعد أن ألقى الولد بحذائه على السلَّم الحجر ِّي‬        ‫يلمح أقرانه في البيوت المجاورة يتصلون بشي ٍء ما‪،‬‬
                                 ‫فتل َّقفه مبته ًجا‪.‬‬
                                                                        ‫حجرة‪ ،‬نافذة‪ ،‬أو بيت‪ ،‬فيشعر بالحزن‪.‬‬
‫ح ِزن ْت الحجر ُة لابتعادها عن السلَّم الذي بحث ْت عنه‬
                                    ‫وقتًا طوي ًل‪.‬‬          ‫أراد أن يستعي َر حجر ًة أو نافذ ًة مقابل تعليمهم‬
                                                           ‫العزف بأجسادهم‪ ،‬لك َّن السلالم بالبيوت المجاورة‬
  ‫بعد وفاة البنَّاء‪ ،‬اقترب ْت الحجر ُة وقد ارتفع بابها‬          ‫ر َف َض ْت ذلك العرض‪ .‬وعندما ه َّم بالهبوط إلي‬
      ‫قلي ًل‪ ،‬لتم َّر الدرجة الثامنة أسفلها وتتثبَّت في‬         ‫الشارع ليسرق إحداها‪ ،‬منعه السلَّم الحجر ُّي‬
                                      ‫أرضيتها‪.‬‬             ‫وتشبَّ َث بآخر درجاته حتي لا يتركه وحي ًدا بالبيت‪.‬‬

  ‫فتح الول ُد الباب وهب َط الدرجات الإسمنتية بثمار‬
                                         ‫الجنة‪.‬‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109