Page 103 - merit 45
P. 103
101 إبداع ومبدعون
قصــة
من الإصابة .استمر الضرب لأكثر من دقيقة ،ثم إذن ،غير أنه ألح عليَّ هاجس قوي لسماع صوتها،
توقف بعدما تعالى صراخي من شدة الألم .مرت بل ورغبة جامحة لرؤيتها! بعد محاولات ،سمعت
صوتها عبر الهاتف حاز ًما كالعادة .رفض ْت سفري
لحظات من السكون قبل أن تطلب مني المدام
النهوض وارتداء ملابسي .ضعف صوتها وظهر بشكل قاطع ،وأعلنت عن رغبتها في ذهابي إليها
يوميًّا كي أدرس لها شخصيًّا دورة في محادثة
به حشرجة خفيفة .دخل ُت خلف الساتر ،خلعت اللغة الإنجليزية .لم أشعر بأي انزعاج ،على العكس،
العصابة والجلباب ،شاهدت آثار العصا على جسدي أحسست بصدري يتمدد وقلبي يدق في حماس.
أثناء مروري من أمام مرآة كبيرة وضعها صبحي
فغلبني البكاء .على باب الشقة ،أعطتني حبو ًبا في منتصف الصالة ،يطمئن فيها على أناقته الدائمة،
مسكنة للألم ،مع مرهم للحروق ،وعشرين جني ًها،
رأيت ابتسامة عريضة تنير سمرة وجهي!
كي أستقل تاكسي أثناء العودة .منحتني كذلك
إجازة في اليوم التالي ،لكني لم أحب النكوث عن -10-
وعدي لها ،وأتممت الزيارات العشر بانتظام! أصرت المدام على وضع عصابة سوداء فوق عيني
قبل أن أخرج من خلف الساتر؟ صرت كالأعمى،
-11-
بينما تقود هي خطواتي بصوتها أو عن طريق
بعد ختام العام الدراسي ،ومعه فترة خدمتي، دفعي بعصا الخيزران .لعشرة أيام متتالية ،واظب ُت
اتصل ْت بي المدام و َد َع ْتني لزيارتها ..فتح لي صبحي
الباب ،هنأني وطلب مني أن أدعو له ،فما زال أمامه على زيارتها ما بين الخامسة والسابعة مسا ًء ،في
ذات الوقت الذي يذهب فيه الولدان للنادي برفقة
عام كامل على التسليم .جلس ُت في البهو الكبير، صبحي .كل مرة أقوم بنفس الخطوات؛ أدخل خلف
جاء أدهم وسراج ،تسامرا معي لبعض الوقت ،ثم
الساتر ،أرتدي الجلباب الشفاف على اللحم ،ثم
انصرفا عند حضور أمهما. أنتظر التعليمات .كانت تطلب مني أن أتخذ بجسدي
-أنا شاكرة لك يا إبراهيم ..القائد يرسل لك وض ًعا أظل ثابتًا عليه لفترة ،ثم أقوم بتبديله بآخر
تقديره. لمدة مماثلة وهكذا إلى نهاية اللقاء .أحيا ًنا لزم عليَّ
كنت قد جهز ُت لها أسئلة كثيرة بخصوص ما دار الوقوف بثبات لاص ًقا جبهتي بالحائط ،أو أن أصعد
في الغرفة الصغيرة ،لكن بعد جلوسها على مقربة
مني ،نسي ُت كل شيء! تركتها تتحدث ،وكل همي على السرير ثم أسجد دافنًا رأسي بين المخدات
الناعمة .في تلك الأثناء ،كانت المدام تقوم بتصوير
الإصغاء لها أطول وقت ممكن .رحت أدقق في المشاهد بكاميرا خاصة ،ثم ترسمها بالفرشاة فوق
وجهها ،لأحفظ تفاصيله في عيني وعقلي كصورة
لوحات كبيرة .أدرك ُت هذا الأمر حين استرق ُت
تتحدى النسيان. النظر ذات مرة من تحت العصابة السوداء .حدث
-بالمناسبة يا مدام فاتن ،أنا أزور الإسكندرية على ذلك في غفلة منها ،فقد كانت ستغضب بلا شك من
فترات قريبة ،ويسعدني تلبية أي خدمة ل ِك. فعلتي تلك والتي خالفت أوامرها.
لأول مرة نطق ُت اسمها أمامها ،أحبب ُت وقعه في في اليوم السادس ،أرادت مني المدام القيام بوضعية
أذني ،شعرت أنه سيروق لها أن تسمع اسمها صعبة؛ أن ألصق مؤخرتي بالحائط ،أقوس ظهري
بلساني. للأمام ،ثم أنظر تجاه صوتها ،مبد ًيا على وجهي
أدنت المدام وجهها من وجهي ،أجابتني بصوت نظرة رعب .أرشدتني عدة مرات ولم أنجح في نيل
هادئ لم َي ْخ ُل من الحزم والجدية. رضاها .سبتني في غيظ ،ثم حدث ما لم أتوقعه؛
-إبراهيم ..هذه هي المرة الأخيرة التي تخطو فيها انهالت عليَّ بالعصا في ضربات سريعة .تكورت على
عتبة هذه البناية .لن تراني بعد هذا اليوم أب ًدا ،لا في
الأرض كالجنين واض ًعا يد َّي فوق رأسي لحمايته
الإسكندرية ،ولا حتى في خيالك.