Page 124 - merit 45
P. 124

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪122‬‬

                                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

 ‫قد قتلت نفسي من الخوف ومن البرد‪ ،‬أنا يا أروى‬      ‫كتمهيد أو تمرين على الصبر‪ ،‬لا أدري‪ ،‬الآن أغمض‬
   ‫طالما ارتجفت من الفكرة فقط‪ .‬في البداية‪ ،‬حركني‬   ‫وأتذكر وأنا أي ًضا جالسة على السرير مستعدة على‬
       ‫الحزن وأنت تفتحين لي الباب وتدخلينني إلى‬     ‫الدوام للنهوض‪ ،‬أكيد أنني كنت حزينة ليلتها وأنا‬
                                                   ‫أتحرك هكذا مدفوعة بجبروت جسد بابا‪ .‬لم يطفئ‬
 ‫ظلامك‪ ،‬حركني في اتجاهات لا أعرف أين هي‪ .‬لكن‬
  ‫أنت قبضت عليَّ‪ .‬الآن لكل ما عندي قيمة عظمى»‪.‬‬       ‫أحد التليفزيون‪ ،‬لم يخفض أحد عذابي‪ ،‬ومن كان‬
                                                  ‫سيفعل؟ لم أ َر ماما ثانية ليلتها‪ ،‬خفت أن أفكر فيها‪،‬‬
                        ‫(الرواية‪ ،‬ص‪)136 -135‬‬      ‫كانت الآسيوية قد استولت على عقلي‪ ،‬وأضرمت فيه‬
  ‫ومن المعروف أن هناك علاقة وثيقة بين التحولات‬
 ‫الاجتماعية والجسد‪ ،‬وهنا نستدعي التعري بوصفه‬                              ‫النار»‪( .‬الرواية‪ ،‬ص‪)57‬‬
 ‫رم ًزا للتمرد ورفض الأعراف‪ ،‬حيث تنتهك «أروى»‬      ‫وهو ما جعل لقاءها بـ»أروى» وعلاقتها بها بمثابة‬

      ‫كل أشكال الهيمنة الذكورية وتعلن من البداية‬        ‫«وسيلة لفك أسرها» من الحزن الدائم والقلق‬
 ‫«ثورة الجسد» في رسالة ثورية مفادها أنها تمتلك‪،‬‬     ‫الوجودي‪ ،‬حتى أنها تفسر انجذابها لها بأنه نوع‬
                                                  ‫من «انجذاب الشبية إلى الشبية»‪ ،‬لأن علاقتهما ‪-‬كما‬
   ‫عن طريق هذا الحيز الخاص‪ ،‬القدرة على مواجهة‬      ‫ترى «مريم»‪ -‬هي فرصتهما الأخيرة للخلاص من‬
  ‫المجتمع بكافة ما يملكه من سلطات أبوية وقمعية‪،‬‬     ‫المعاناة الشخصية والقهر الاجتماعي‪« :‬هي أروى‪.‬‬
  ‫فالبطلة تسعى ‪-‬عبر هذا الكشف‪ -‬إلى التحرر من‬
  ‫ثنائية المقدس‪ /‬المدنس‪ ،‬وتحاول الخلاص من قهر‬          ‫جعلتني أتذكر معنى أن نكون عاريتين كل هذا‬
 ‫الأبوية القاسية‪ ،‬سواء تمثلت في سلوك فردي‪ ،‬كما‬        ‫الوقت‪ ،‬في الغناء وفي العتاب‪ ،‬في الرصاص حين‬
  ‫ظهر في معاملة أبيها لها‪ ،‬أو في سلوك جمعي عام‬      ‫یزداد صوته في الجوار ج ًّدا‪ ،‬في وقت آخر‪ ،‬كنت‬

    ‫يحد من حريتها‪« :‬وفي يوم صعدت كما التلاميذ‬
  ‫إلى البناية‪ ،‬وترددث في الدخول إلى الفصل‪ ،‬وفجأة‬

   ‫نطيت إلى السور الفاصل بين الأرض والدرج‪،‬‬
   ‫وخلعت عني اللباس الرسمي وعلى إثره‬
‫اللباس التحتي‪ ،‬رميتهم إلى ُحفرة السلم‬
  ‫ورائي‪ ،‬كنت عاوزة أعمل إيه؟ مش‬

     ‫عارفة أنا حاولت ألا أهتز‪ ،‬على‬
    ‫السور لو اهتززت كنت سقطت‬
   ‫وساح دمي‪ ،‬ولما سكنت‪ ،‬فتحت‬
 ‫ذراعي على وضع الحضن‪ ،‬وباعدت‬
  ‫ما بين رجلي‪ .‬تخيلي المشهد يا مريم‪.‬‬
 ‫تمنيت من البنات والبنات فقط أن يقتربن‬
    ‫ويفعلن مثلي‪ ،‬دعيتهن بحماسة‪« :‬يلا تعالوا‬
  ‫«‪ ..‬بنت واحدة استجابت لدعوتي‪ ،‬بدأت تقشر‬
 ‫نفسها قدام العالم كله‪ ..‬طب ًعا لم أطلب من أحد‬
  ‫أن يتدخل‪ ،‬لكنهم تطوعوا وأنزلوني من هناك‬
‫جب ًرا‪ ،‬والبنت أخذوها بالعنف نفسه‪ ،‬الفرق بيننا‬
‫أنني لم أستجب للعقاب الذي أرادوا فرضه عليَّ‪،‬‬
   ‫أما هي فاستجابت على طول وبكت وتذللت‪..‬‬

     ‫كانت تلك أول ثورة أخمدوها في حياتي يا‬
              ‫مريم»‪( .‬الرواية‪ ،‬ص‪)189 :187‬‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129