Page 125 - merit 45
P. 125
نون النسوة 1 2 3 الثورة والخلاص الجمعي
الفترة التاريخية المهمة ،وهو ما ضمنته الكاتبة جسدت ثورة يناير داخل بنية الرواية مشروع
بحرفية إبداعية في متن نصها عبر آلة الأوبوا التي الخلاص الجمعي كما تتصوره الكاتبة ،حيث
عشقت «أروى» العزف عليها في الشوارع ومحطات حرصت ،منذ نقطة انطلاق السرد الأول ،على
تعالق العام بالخاص ،فجاء خلاص البطلتين
المترو« :أحلف بمريم أن العالم قد صمت لحظة
طويلة ،طويلة من أجلي ،وأنها امتدت داخلي كنهر «مريم» و»أورى» بالتخفف من عبء الماضي بحكيه
يلد عصافير تزقزق على جنبيه ،نهر صاف وغير ومشاركته متزامنا بوضوح مع أحداث الثورة كفعل
ملوث بالحقد .كانت أروع إشارة بمواصلة العزف
تاريخي يحمل الخلاص للكثير من المصريين .وفي
تلقيتها في حياتي ،وضعت الريشة بين شفت َّي هذا السياق ،كانت ثورة كل منهما على قسوة الحياة
ونفخت ،لم أكن أعرف ماذا أعزف أو لمن ،كنت
أرد على السؤال الشفوي بالامتحان الذي أعيشه وقوانين المجتمع الذكوري تسير في خ ٍّط موا ٍز لما
في المنام فو ًرا أو كما خطر على بالي ،وإذا بي أغني يجرى داخل المجتمع من ثورة شعبية وتمرد عام،
صوت البجعة في سيمفونية لمؤلفة يونانية اسمها
إيليني كارنيديرو ،البجعة المنفردة والنائحة ولها في دلالة رمزية مشتركة تجعل إحساس القارئ
اسم هو الأوبوا .أحلف بك أن اللحظة كادت تتحول واح ًدا إزاء الثورتين.
إلى عمر جديد للتعويض ،لولا أن قطعتها أصابع
العسكري النحيلة ،تنغرز في عظم كتفي ،تألمت، ومع ذلك ،فرغم أن تجربة كل منهما مؤلمة كتجربة
تجاهلته وواصلت ،جربت أن أواصل ،رأيتهم وهم الوطن ،فإن السعي للانتصار على كل ما يحول
يبددون النهر ،رأيت العصافير تطير ،واصلت إلى أن دون تحقيق رغبتهما ومطالب الشعب في التغيير
مل وتعصب فقرر أن يسحب مني الأوبوا ،ساعتها كان من أهم ملامح الصراع في الرواية؛ حيث
انقلب العزف إلى صراخ»( .الرواية ،ص)180 -179
وأخي ًرا ،يمكننا القول إن الكاتبة قد برعت في رسم تتمسك كل من «أروى» و»مريم» بأملهما الخاص
الشخصيات وتجسيد معاناتها في الصراع وسعيها في إعادة هويتهن المسلوبة على خلفية إصرار
للانتصار سواء على المستوى الفردي أو الجمعي،
كما خلقت الرواية مفرداتها الخاصة ولغتها المميزة، المتظاهرين على الحفاظ على أملهم في الخلاص من
حيث تتناوب الشخصيات على استخدام الفصيح الاستبداد« :الثورة هناك مشتعلة على بعد خطوات
والعام بما يكشف عن طبيعة الشخصية ومستوى قليلة منَّا .غ ًدا آخذك وننزل إليها فنزيد نارها وتزيد
وعيها ،بالإضافة إلى بلاغة الكاتبة في تقديم وصف
الحدث والمكان بشكل يكشف عن بنية الشخصية نارنا .لن تضيع منك أرضك تاني .في كل وضع
المغتربة ويكثف من أزمتها ،ومع ذلك جاء تكرار اخترعته للنوم معك .في جنون الحركات القديمة
وبعد أن ينتهي العالم .سمعنا البغال تصعد وتهبط
سرد بعض الأحداث على لسان الشخصيات، الدرج .تهيأ لنا أن الأثاث يهتز ،أن الطابق الرابع
وبالأخص في الجزء الثاني الذي ترويه «أروى»، سيسقط فوق رأس الثالث .كنا في السرير ملتحمتين
بالظلام .وأنت قلت إن الحياة هنا في شامبليون
ملم ًحا أسلوبيًّا لا يملك دو ًرا وظيفيًّا مه ًّما في
بناء الحبكة ،مما قد يدفع القارئ إلى الشعور أبدية ومحمية ،وأنا صدقتك وتلصصت من
بالانزعاج ،ويجبره أحيا ًنا على تخطي بعض المواقف الشبابيك على شاشات الجيران والراديو في المقهى
والتفاصيل القريب يذيع المارشات العسكرية .كنا في مصر
وفي أبعد مكان عنها .أقول ل ِك بصراحة .لم أحب في
حياتي كما أحببتك يا مريم»( .ص)209 -208
ومثلما ارتبطت بلاغة الجسد وقدرته على تحدي
السلطة بقيام الثورات ،نجد أي ًضا ارتبا ًطا وثي ًقا
بين الفن والثورة ،فرسوم الجرافيتي التي
انتشرت على الجدران لتوثيق أحداث الثورة وعزف
الموسيقيين بالميادين كانت من أهم أيقونات تلك