Page 130 - merit 45
P. 130

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪128‬‬

                                                   ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

 ‫واللاجدوى والعدمية حتى تصل إليها لمسة أروى‬              ‫والرفض العميق من الأب بشكل خاص ومن‬
   ‫أو تنبهها على وجودها‪ ،‬مجرد لمسة من رفيقتها‬         ‫الجدة عبر شرائط الكاسيت المرسلة كمادة خام‬
  ‫ليدها المسندة على الأريكة أو المقعد تجعلها تشعر‬  ‫إلى السعودية يجعلها دائ ًما تشعر من داخلها بأنها‬
                                                   ‫السبب المحتمل لكل كارثة أو كل خطأ في هذا العالم‬
‫بذاتها أو تتنبه لهذه الذات ويحدث التحول الجذري‬      ‫حين يسأل الناس عن السبب‪ ،‬أي أنها تم شحنها‬
  ‫نفسيًّا بكل عمق داخل مريم‪ ،‬وبد ًل من أن تستمر‬      ‫من وقت مبكر بالشعور بالعميق بالذنب فتشعر‬
  ‫في كونها على هامش العالم تجعلها أروى في عمقه‬
    ‫أو تعود لتكون مركزه مرة أخرى‪ ،‬وهي النزعة‬                             ‫وكأنها هي بذاتها فضيحة‪.‬‬
                                                        ‫وفي موضع آخر نجد أن الرواية عبر عنايتها‬
‫العالمية المعروفة في الإبداع السردي والشعري التي‬       ‫الكبيرة بالتفاصيل ورصد المشاعر المتجذرة في‬
 ‫أصبح فيها الإنسان مركز العالم ولكن الخاص هو‬       ‫هذه التفاصيل قد عبرت عن لمحة مهمة وهي هرب‬
                                                        ‫الشخصية نحو واحة الجسد أو اللذة الحسية‬
   ‫أن الرواية جعلت ذلك يتحقق عبر اكتشاف لذات‬         ‫والانسحاق الجنسي مع رفيقتها‪ ،‬فهي تشعر أن‬
                                ‫الجسد أو متعه‪.‬‬         ‫العالم متعطل وهي قيمة زائدة وتشعر بالخواء‬

      ‫على أن الالتباس الجنسي وغموضه هو بذاته‬
   ‫مناسب لتكوين الشخصية أو طبيعتها‪ ،‬ومناسب‬

     ‫لحالة الفقد واليتم والوحدة وكم الأسئلة التي‬
‫تعاني مريم من ضغوطها‪ ،‬وتوازي الموسيقى‬

   ‫لذة الجسد في كونها أحد واحات الهرب‬
       ‫من وحشية العالم‪ .‬ويمكن القول إن‬

   ‫التبئير الداخلي والاعتناء بالتفاصيل هما‬
    ‫ما يشكلان روح السرد وخصوصيته‬
   ‫لدى أريج جمال وهما مصدر كثير من‬
‫جماليات هذه الرواية وبخاصة جماليات اللغة‬
    ‫وخصوصيتها‪ ،‬وإن كانا هما نفسهما مصدر‬
  ‫أهم المزالق الفنية لكونهما جعلا السرد بطيئًا‬
  ‫في تقدمه وأشبه بأن يكون منغل ًقا على ذاته‬
‫وكذلك دفعا في بعض المواضع إلى حالات من‬
  ‫الإسهاب غير المجدي والاستطراد المجاني‬
 ‫في استجلاء تفاصيل صغيرة كان بالإمكان‬
 ‫اختزالها أو تخطيها لكون المتلقي في الغالب‬
‫قاد ًرا على إدراكها من نفسه‪ ،‬ولكن يبدو أن‬
 ‫تنقيب الساردة فيها لم يكن لذاته وأنها في‬

   ‫على الأرجح كانت تنقب فيها عن صورة‬
    ‫جديدة أو لمحة شعرية تثري بها لغتها‬
     ‫وربما يكون ذلك حاص ًل بدرجة من‬
    ‫اللاوعي‪ ،‬لكنها في المجمل رواية جيدة‬
‫وخاصة وترجمة عملية لكون الأدب يتركز‬
 ‫في المعالجة وليس في الفكرة أو الموضوع‪،‬‬
  ‫أو ما يمثل اقترا ًبا من مقولة الجاحظ عن‬
     ‫المعاني المطروحة في الطريق وأن العبرة‬

      ‫بالإنشاء أو التكوين الإبداعي أو التركيب‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135