Page 134 - merit 45
P. 134

‫العـدد ‪45‬‬   ‫‪132‬‬

‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

     ‫ثم تصدر الساردة بداي ًة حتمية موجعة لكل‬
    ‫مولود يخرج من عالم الأرحام إلى عالم الدنيا‬
   ‫«ل َم عذبونني هكذا دون خوف على عدست َّي‬
‫الحديثتين‪ ،‬كل أطفال الدنيا يعذبون بالهمجية‬

                                   ‫نفسها» ‪.15‬‬
  ‫ونجد أن مريم قد قرأت تفاصيل العالم الجديد‪،‬‬
   ‫العالم الممل‪ ،‬منذ لحظة ولادتها‪ ،‬وتأملها وجوه‬
‫الممرضات‪« :‬ولأنني تأملت وجوههن جي ًدا وأنا‬

    ‫أبكي‪ ،‬عرفت أ َّن العالم الجديد أبله وخبيث‬
     ‫وسريع النسيان‪ ،‬وصار عل َّي أن أسلِّم منذ‬
  ‫الآن أنه لن يعيدني أب ًدا إلى وطني» ‪ ،15‬فهذا‬
‫الخروج الحتمي من جنة الرحم لا رجعة فيه أب ًدا‬

                                           ‫أب ًدا‪.‬‬
      ‫ثم ما لبثت الساردة تطوي الزمن باستبا ٍق‬
   ‫لطيف‪ ،‬لتكون مريم طفل ًة يص ُل طولها ‪-‬إذا ما‬
 ‫وقفت‪ -‬إلى رحم أمها في حال وقوفها‪« :‬أنا الآن‬
‫أستطيع أن أسير وأتكلم‪ ،‬قامتي تصل إلى رحم‬
  ‫ماما بالضبط» ‪ .17‬فالربط الدلالي قائم في هذا‬
    ‫المقطع في ما يخص العودة المشيمية للساردة‪،‬‬
‫فهذه الأخيرة تحاول قياس طولها بقدر وصولها‬
‫إلى رحم أمها‪ ،‬فعلى الرغم من انفصالها عنه‪ ،‬ظلت‬

                  ‫القرابة الروحية مشدودة إليه‪.‬‬
    ‫أما ما يخص المكان الضيِّق بصفاته الشيمية‪،‬‬
‫فقد عانت منه «مريم» كثي ًرا‪ ،‬مما سبب لها ضي ًقا‬
  ‫كبي ًرا في حياتها الأولى‪ ،‬لا سيما الفضاء المكاني‬
    ‫المحدد في مدينة الرياض‪ ،‬حيث احتوى طفولة‬
  ‫مريم بعد الحبس المستمر الذي حدث لها‪ ،‬تحت‬
    ‫سقفها المضجر‪« :‬كنت أختنق تحت السقف‬
     ‫يا أروى‪ ،‬كل شيء يحدث في هذه الغرفة‪،‬‬
 ‫الواجب تحلينه وحدك في الليل‪ ،‬تسهرين على‬
    ‫الطاولة الواطئة نفسها‪ ،‬على نور الإضاءة‬
‫الأصفر‪ ،‬تبقين هكذا حتى تنتهي‪ ،‬ثم أنتهي مع‬
  ‫كل أخطاء العالم‪ ،‬فقط كي أنتهي‪ ،‬أنادي على‬
   ‫ماما‪ ،‬تعالي امسكي إيدي هي ترتعش‪ ،‬فيرد‬
 ‫بابا بكلام السيد عبد الله‪ :‬من هم في مثل س ِّنك‬
‫يقرؤون الجرايد كل يوم في الصباح‪ ،‬ثم يأخذ‬
    ‫ماما معه إلى الغرفة‪ ،‬ويغلقان الباب» ‪.54‬‬

        ‫بعد غلق الباب وراءهما تبدأ معاناة مريم‬
   ‫المنكسرة‪ ،‬الخائفة التي أهدرت كرامتها وأريق‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139