Page 133 - merit 45
P. 133

‫نون النسوة ‪1 3 1‬‬

‫رولان بارت‬        ‫جوليان غريماس‬                          ‫ثم تبدأ‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬عقدة نقص بطلة الرواية‬
                                                       ‫(مريم) بالظهور على مسرح الرواية‪ ،‬لاسيما‬
     ‫حاصل‪ ،‬بلا أي سحر‪ ،‬مجرد كيان مضاف‬                  ‫قضية الأخ الذكر الذي كانت الأسرة تتوقعه‬
  ‫إلى عدد لا نهائي من الكيانات‪ ،‬يولد ويعيش‬             ‫بد ًل عن مريم‪ ،‬فوجودها كان خطأً‪ ،‬بالنسبة‬
‫ويموت‪ ،‬كما ولد وعاش ومات السابقون» ‪.13‬‬                 ‫لوالدها الصعيدي‪ ،‬الحالم بولد يشيل اسمه‪،‬‬
                                                     ‫وهذا الشعور المؤذي لازمها حتى ولادتها‪ ،‬فقد‬
     ‫على الرغم من أنها لا تتعجل في الخروج من‬       ‫شعرت بلا جدواها ولا أهميتها بالنسبة لوالدها‪.‬‬
‫مشيمتها التي تشبه الجنة «لم أتعجل خروجي‪،‬‬           ‫مما اضطرها فيما بعد إلى البحث عن حب يجمع‬

  ‫لم يكن ما هو أهنأ من حياتي‪ ،‬حياتي هناك‪،‬‬                                                 ‫شتاتها‪.‬‬
        ‫كنت أعرف ك َّل شيء‪ ،‬هكذا ظننت» ‪.13‬‬           ‫فعلى الرغم من وجودها فهي تشعر أن أخاها‪،‬‬
                                                     ‫الذي لم يولد بعد‪ ،‬قد ولد قبلها «لا أدري متى‬
   ‫فهي في عمق بطن والدتها كانت تطير‪ ،‬الوقت‬          ‫صار عل ٌّي هو كل الحياة‪ .‬حين أفكر الآن أقول‬
 ‫يمر مثلما يمر في تهاويم الأحلام‪ ،‬لم يكن يوجد‬
‫وقت‪ ،‬كانت هي‪ ،‬وكانت ماما‪ ،‬وكان بابا فحسب‪.‬‬                             ‫ولد أخي قبل أن أولد» ‪.51‬‬
                                                  ‫وفي إشارة أخرى إلى تعلق (مريم) بعالم الأرحام‪،‬‬
       ‫ثم جاءت لحظة الخروج القسري من جنة‬
 ‫الرحم‪ ،‬من حياة السكينة والدعة‪ ،‬إلى حياة مليئة‬         ‫وهي ما زالت في بطن أمها‪ ،‬تستشعر القارئ‬
‫بالخيبات المتتالية «بدأت أنزلق إلى الأسفل بفعل‬        ‫بالخوف من الحياة وخيباتها المتوالية‪ ،‬فهي لا‬
‫قوة رهيبة تزداد تسل ًطا بمقاومتي‪ ،‬حاولت أن‬            ‫ترغب بالخروج من رحم أمها‪ ،‬لذا قالت وهي‬
 ‫أصمد‪ ،‬شبكت أجنحتي بالكبد‪ ،‬ألصقت نفسي‬              ‫تشكو لأروى حالتها‪« :‬أنا يا أروى عش ُت داخل‬
 ‫بسقف المعدة وأنا أنهج من المرار‪ ،‬أنا أفسد ُت‬        ‫رحم ماما شهور طويلة‪ ،‬أتعرفين مثل ماذا؟‬

   ‫الأجهزة التي طالما حرستها‪ ..‬لو أنني ذئب‬             ‫مثل عصفور‪ ،‬ص ِّدقيني انتفض كل الوقت‬
  ‫لكن ُت عوي ُت من الجرح‪ ،‬طب ًعا لم أع ِو‪ ،‬كل ما‬     ‫وأعوم في بطنها بجناحين كالحرير لا يمكن‬
  ‫حدث أنني واصلت الانزلاق‪ ،‬غير مصدقة أن‬           ‫أن ينكسرا‪ ،‬أحرث الأر َض التي لن تنب َت غيري‬
  ‫الله الذي أودعني الجنة‪ ،‬يقتلعني الآن منها»‬         ‫بهدوء يوم ًّيا‪ ،‬متحسسة أن أضايقها‪ ،‬أشاهد‬
                                                  ‫العالم الواسع من بعيد وأنا في جوفه‪ ،‬دون أن‬
                                           ‫‪.14‬‬
                                                                             ‫أطلب الخروج» ‪.13‬‬
                                                        ‫فلو كان الأمر بيدها لبقيت متشبِّث ًة في رحم‬
                                                      ‫أمها‪ ،‬فجناحاها ‪-‬في ذلك الفضاء الرحمي‪ -‬لا‬

                                                                      ‫ينكسران؛ كونهما من حرير‪.‬‬
                                                        ‫ومن الجدير بالذكر أن مريم قد حددت أفق‬
                                                     ‫المستقبل الآتي‪ ،‬فهي تحرث رح ًما‪ ،‬أر ًضا بك ًرا‪،‬‬
                                                   ‫لن ينب َت غيرها فيها‪ ،‬بدلالة أداة النفي (لن) التي‬
                                                     ‫تنفي الحال والاستقبال‪ .‬فلا وجود لـ(علي) في‬
                                                        ‫حياة مريم الطفلة‪ .‬بهذا الشعور برهنت على‬
                                                        ‫وجودها المستقل سواء كان داخل الرحم أو‬
                                                  ‫خارجه‪ ،‬على الرغم من سذاجة الحياة التي ستأتي‬

                                                                                           ‫عنو ًة‪.‬‬
                                                  ‫فلحظة خرجوها إلى عالم لم ترغب في الوجود فيه‬

                                                     ‫قد تتحقق بأي لحظة‪ ،‬فـ»كلما كبر بطن ماما‪،‬‬
                                                     ‫كان يصبح وجودي في نظر العالم تحصيل‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138