Page 132 - merit 45
P. 132
العـدد 45 130
سبتمبر ٢٠٢2
عاشتها (أروى) ،الجناح الآخر من السرد. الساقي ضمن برنامج آفاق لكتابة الرواية ،وهذه
تستهل الكاتبة عالمها الروائي باستهلال لغوي، الرواية هي العمل الروائي الأول للكاتبة؛ إذ ُسبِ َق
يتكرر أكثر من ثلاث مرات ،وبصيغ بنائية بمحاولتين في كتابة القصة القصيرة.
مختلفة «كانت أيا ًما عادية ،أتلقى فيها الخيبات تتكون الرواية من مقدمة وثلاثة فصول بحوالي
كهدايا عيد الميلاد ،خيبات في العمل ،الصداقة، مئتي صفحة .أما السارد في العمل الروائي فهو
الحب ،صعود السلم ،هبوط السلم ،عبور الشخصية المشاركة ،سرد روائي داخلي ،على
الشوارع المكتظة ،السير في الشوارع الخالية، لسان شخصيتين اثنتين :هما «مريم» ،لاسيما
في المقدمة والفصلين الأول والثاني ،و»أروى» في
كان خيالي بلي ًدا لا يعرف التدوين بعد ،أزم
شفتي ،وأثبت عيني في السقف ،فيأتي النوم، الفصل الثالث والأخير من الرواية.
أنام ست عشرة ساعة دون حلم واحد ،دون تدور أحداث الرواية بفصولها السردية الممتعة،
أن أبدل وضعي ،أستقبل العالم وأودعه على
حول بؤرة الذات المأزومة وهي تقاوم رتابة
ظهري» ،لا سيما في نهاية الرواية على لسان الحياة وتقلباتها المتغيرة ،ليكون مسار العمل
أروى« :كانت أيا ًما عادية» ،ومع ملاحظة في جزئه الأول في مدينة الرياض ،على لسان
الطفلة (مريم) ،التي ولدت في مكا ٍن خطأٍ بالنسبة
انتهاء الرواية بجزئه الأول« :كانت أيا ًما عادية» لعالمها ،إذ المرج ُّو أن يجي َء المولود ذك ًرا لأسرة
على لسان أروى ،وكأننا أمام بداية قطر الدائرة من صعيد مصر ،ثم تترى الأحداث حتى تتجه
وجهة السرد إلى القاهرة المصرية ،بعد موت
وانتهائها في العبارة ذاتها ،مما تشير هذه العبارة أسرة مريم في حادث قد يكون مدب ًرا من امرأة.
الموجزة إلى تفاهة الأيام المكرورة بالنسبة لبطلتي ثم تكبر مريم بهاجسها القلق باحثة عن حب
صادق يخلصها من أزماتها النفسية التي تركت
الرواية مريم ،وأروى .على الرغم من كثرة أثا ًرا سيئة على شخصيتها ،ثم تلتقي بعازفة
الأحداث التي رافقت القارئ إلى محطته الأخيرة. الأوبوا( ،أروى) ،التي تأتي من ألمانيا لتؤازر ثوار
ومما يلحظه القارئ في عبارات هذا الاستهلال، حركة يناير في ساحة التحرير ،في مطار القاهرة،
ليكون هذا اللقاء هو المفتتح المُن ِجي لذات الساردة
على الرغم من براءتها ،أنها تخبئ وراءها ك ًّما مريم؛ لالتقائها بحبيبتها التي لطالما حلمت اللقاء
هائ ًل من الدلالات ،فالأيام العادية هي الروتين بها ،واحتضانها من على شاشة التلفاز ،في بيتها
الضيق والمضجر .وكذا تسير الأحداث بسردية
الممل الذي يتكرر ويسأم الإنسان تكراره في عالية وبشاعرية كبيرة من قبل الساردة المشتركة
حياته اليومية .ثم إنها تتلقى الخيبات بأشكال في العمل الروائي (مريم) .إذ توهمك الروائية
مختلفة ،وأحجام وألون مختلفة ،كاختلاف هدايا
عيد الميلاد حج ًما ،وشك ًل ،ومضمو ًنا .هذا كله بمصداقية الأحداث الزمكانية ،والشخوص
قبل مقابلة «أروى» التي ستعطيها جرعات كبيرة المرسومة بحرفية عالية جد ًدا.
من الحب الصادق. ومن الملاحظ على ترتيب أحداث الرواية في هذا
لنأتي إلى الدلالة المشيمية الأولى التي ن َّوهت بها العمل أنها لا تخضع إلى تنظيم (كروتولوجي)،
الساردة وبطلة الرواية( ،مريم) وهي تتمنى بحيث يمتد زمن السرد من الحاضر إلى
الرجوع إلى رحم الأم ،حينما أشارت بنومها الماضي ثم المستقبل؛ بل نراه يخضع إلى تقلبات
«ست عشرة ساعة» ،وهذا النوم الطويل -أكثر
من نصف النهار -ما هو إلا هروب من الواقع، وانزياحات زمنية متباينة ،كأن يكون استباق
والاختباء وراء النوم من دون حلم واحد ،عليها زمني ،أو استرجاع لأحداث مضت ،لا سيما
فقط زم شفتيها وتثبيت عينيها في سقف الغرفة، أحداث الطفولة المُ َّرة التي عاشتها بطلة الرواية
على ظهرها فيأتي النوم ،وهذا النوم يرجع الذات (مريم) ،الجناح الأول في السرد ،أو الأحداث التي
الى استراحة الرحم ،والابتعاد عن كل ما يمت
للدنيا بصلة .فهي تلجأ إلى النوم للهروب من
تلقي الخيبات المستمرة كهدايا عيد الميلاد.