Page 224 - merit 45
P. 224

‫والإصلاحيين حديثًا‪ ،‬فحسب‬                                ‫العـدد ‪45‬‬                          ‫‪222‬‬
  ‫الفكر الاعتزالي أن صفة الكلام‬
  ‫ليست صفة ذات‪ ،‬بل هي صفة‬                                                ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬  ‫موت‪ ،‬فعن طريق الدولة لن تتمكن‬
‫حدوث‪ ،‬وبالتالي فالقرآن به آيات‬                                                           ‫الجماعات والتيارات الأصولية‬
   ‫مخصوصة للزمان والمكان لا‬              ‫بالخطاب الإسلامي‬                               ‫من تضليل الشعب بأريحية‪ ،‬بل‬
   ‫يمكن إطلاقها‪ ،‬وهذا تفسيرهم‬          ‫والباحثين فيه يرون‬                               ‫ستواجه عقبات منها ما يكشفها‬
 ‫لما اشتهر وقتها «بخلق القرآن»‪،‬‬      ‫أنه يناسب الفترة التي‬
‫فالله عندما كلم موسى هو أي ًضا‬      ‫نزل فيها‪ ،‬والناس الذين‬                              ‫الإعلام ال ُحر ومنها ما يعمل على‬
  ‫لم يكلم فرعون ولا إبراهيم ولا‬     ‫استهدفهم‪ ،‬وأن الظروف‬                               ‫كشفه عناصر الأحزاب والنشطاء‬
 ‫محمد‪ ..‬إلخ‪ ،‬بالتالي يجوز سلب‬       ‫تغيرت كثي ًرا الآن بحيث‬
 ‫هذه الصفة عن الله لكونها تقبل‬     ‫لا يتبقى من النصوص إلا‬                               ‫السياسيين‪ ،‬وأتذكر جي ًدا أجواء‬
                                   ‫القواعد العامة التي تدعو‬                                 ‫ما بعد ثورة يناير في مصر‬
    ‫النقيضين‪ ،‬بينما الله لا يقبل‬      ‫لمكارم الأخلاق وحسن‬                                   ‫‪ ،2011‬حيث إنه وبرغم قوة‬
‫النقيضين ليس كمثله شيء‪ ،‬وفي‬         ‫المعاملة‪ ..‬كيف ترى هذا‬
 ‫تلك الجزئية رد عليهم الأشاعرة‬                                                         ‫وتمكن الإسلام السياسي في تلك‬
 ‫بأن صفة الكلام هي من صفات‬                           ‫الرأي؟‬                           ‫الفترة إلا أن الحرية والديمقراطية‬
 ‫الذات السبعة‪ ،‬وهذا ملف في علم‬
‫الكلام مهم ومثير نستخلص منه‬       ‫للمرحوم نصر حامد أبو زيد رؤية‬                          ‫ونشاط الإعلام والأحزاب حال‬
                                  ‫في ذلك وهي أن الخطاب الإسلامي‬                       ‫دون تمكن الرؤية الأصولية تما ًما‬
   ‫أن طريقة رؤية الفقهاء للقرآن‬
    ‫والروايات محكومة بمذهبهم‬           ‫في التراث يتماهي مع السلطة‬                          ‫من الشعب‪ ،‬لدرجة أن تخرج‬
                                  ‫السياسية في زمنه‪ ،‬فمن ينتقد ذلك‬                       ‫انتخابات مرسي وشفيق بنسبة‬
                     ‫العقائدي‪.‬‬
   ‫فالأمر ليس مترو ًكا للهوى بل‬     ‫الخطاب هو لا ينتقد الإسلام في‬                         ‫متقاربة ويفوز مرسي بفارق‬
‫هو تقليد لأئمة المذهب ومؤسسيه‬      ‫الواقع بل السلطة السياسية التي‬                         ‫‪ %2‬فقط‪ ،‬وهي نسبة تقول إن‬
   ‫الأوائل‪ ،‬فمن يفتي بأن خطاب‬                                                           ‫التشدد الديني لم يكن قد وصل‬
‫الإسلام يناسب كل زمان ومكان‬          ‫صنعته‪ ،‬وهذه رؤية دقيقة ج ًّدا‬                    ‫بعد إلى كل فئات الشعب‪ ،‬وبرنامج‬
    ‫فعل ذلك لإيمانه الراسخ بأن‬      ‫تبرئ الإسلام من العنف وتضع‬                         ‫الإخوان لم ُيرضي أغلبية الناس‪.‬‬
‫القرآن قديم وأن صفة الكلام هي‬                                                            ‫والفضل في ذلك لحرية الإعلام‬
‫صفة ذات للمولى عز وجل‪ ،‬ومن‬             ‫هذا العنف المذكور في سياقه‬                      ‫التي سمحت بوجود الرأي الآخر‬
  ‫يقل بأن هذا الخطاب لا يناسب‬     ‫بالقرآن والأحاديث‪ ،‬والمشكلة حين‬                      ‫وحمايته‪ ،‬وأي ًضا لاعتراف الدولة‬
‫كل زمان ومكان فعل ذلك لإيمانه‬     ‫يتعاطى رجل الدين مع النصوص‬                          ‫بكل الآراء النشطة في الشارع بعد‬
 ‫الراسخ أي ًضا بأن القرآن حادث‬                                                            ‫يناير‪ ،‬وبالتأكيد الوضع حاليًا‬
 ‫وأن صفة الكلام هي صفة فعل‬             ‫يكون حري ًصا على تعميم تلك‬                       ‫قد اختلف حيث انخفضت نسبة‬
   ‫وليست صفة ذات‪ ،‬فاللفلسفة‬          ‫النصوص خارج الزمكان‪ ،‬وهو‬                          ‫التمثيل الشعبي السياسي بشكل‬
 ‫دور كبير في هذا التعريف وهذا‬        ‫توجه مذهبي موافق لرؤية أهل‬                            ‫كبير‪ ،‬وصارت المواجهة بين‬
                                    ‫الحديث الذين انتصروا على أهل‬                       ‫الجيش والعناصر الإرهابية‪ ،‬فلم‬
             ‫الانشقاق المذهبي‪.‬‬     ‫الرأي بعد عصر الخليفة العباسي‬                        ‫تعد هناك رفاهية الاختيار‪ ،‬إنما‬
 ‫لكن لا يعني ذلك تعمي ًما على كل‬                                                         ‫الذي يمكن استخلاصه هنا أن‬
  ‫النصوص القرآنية‪ ،‬فالمعتزلة لا‬        ‫المتوكل بالله في القرن الثالث‬                  ‫رعاية الدولة لكل الآراء وحمايتها‬
                                                         ‫الهجري‪.‬‬
    ‫يرون تقييد نصوص فضائل‬                                                                   ‫سيضمن تفكيك هذا التراث‬
 ‫الأعمال فهي متفق على إطلاقها‪،‬‬            ‫فأهل الحديث يرون صفة‬                        ‫المتشدد‪ ،‬لا كما يحدث الآن بسجن‬
                                     ‫الكلام الإلهية قديمة قدم الذات‬                   ‫المفكرين وتهديد الأقلام والمبدعين‬
      ‫إنما يختلفون مع المحدثين‬         ‫المقدسة‪ ،‬وبذلك جعلوا القرآن‬
                                    ‫كله قدي ًما‪ ،‬وهذا كان –ولا يزال‪-‬‬                             ‫بمادة ازدراء الأديان‪.‬‬
                                      ‫محل نزاع فلسفي بينهم وبين‬
                                    ‫المعتزلة وأهل الرأي قدي ًما‪ ،‬وبين‬                    ‫هناك فريق من المهتمين‬

                                       ‫العقلاء والمفكرين والفلاسفة‬
   219   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229