Page 232 - merit 45
P. 232

‫العـدد ‪45‬‬                              ‫‪230‬‬

                                   ‫سبتمبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫أداة التنوير العظمى هي العقل‪..‬‬     ‫لألوان شتى من هذه الآفة سواء‬             ‫المعتمد كليًّا على حجية وشرعية‬
   ‫ولن تعمل في ظل انغلاق وكبت‬           ‫بالفعل أو القول‪ ،‬لكن النساء‬            ‫خبر الواحد في العقائد والدماء‬
    ‫وتسلط رجال الدين وأصحاب‬                                                    ‫أو ًل‪ ،‬ثم قدسية وحصانة أئمة‬
‫الفكر الأحادي‪ ،‬والفئة الأخيرة قد‬    ‫لدينا يخشون التبليغ وهذا يعطي‬              ‫السلف ثانيًا‪ ،‬وعن طريق هذه‬
   ‫تكون محسوبة على التنويريين‬           ‫للمسألة بع ًدا اجتماعيًّا وهميًّا‬  ‫الحصانة وتخويف الناس من النقد‬
‫المنغلقين والمتعصبين‪ ،‬فلقد تعاملت‬                                             ‫حصلت الجماعات على الشعبية‬
    ‫مع فئة تريد حصر التنوير في‬      ‫نتخيل أن مجتمعنا آمن وهذا غير‬           ‫اللازمة من قبل‪ ،‬ويريدون تكرار‬
    ‫الملحدين وأخرى تريد حصره‬           ‫صحيح‪ ،‬فلو كان الغرب يملك‬               ‫القصة الآن بنشر مذهب سلفي‬
                                                                           ‫دموي متشدد ج ًّدا يريدون العودة‬
     ‫في المؤمنين العقلانيين‪ ،‬وهذا‬  ‫الجرأة على مواجهة التحرش فذلك‬              ‫به للانتقام مما حدث في يونيو‬
  ‫غير صحيح‪ ،‬فالتنوير عمل عقلي‬         ‫يحدث بفضل جرأته ووضوحه‬                 ‫‪ ،2013‬وللأسف الدولة ما زالت‬
                                       ‫في تناول الأزمة‪ ،‬مما يقلل من‬           ‫صامتة على هذه المحاولات التي‬
     ‫سلوكي أخلاقي‪ ،‬هو منظومة‬                                                   ‫تتم عن طريق شيوخ أزهريين‬
     ‫متكاملة من الفكر والتطبيق‪،‬‬    ‫أضرارها ونسب حدوثها‪ ،‬ويعطي‬              ‫تكفيريين عدوانيين كمبروك عطية‬
   ‫ومعياره الأول السلام الروحي‬        ‫الحماسة الذكورية للتصدي له‬
  ‫والانفتاح والتواصل والحماسة‬        ‫في الشارع وإنقاذ آلاف المعنفات‬               ‫وعبد الله رشدي وغيرهما‪.‬‬
    ‫لتطبيق العدل دون تمييز بين‬                                                 ‫أما عن التحرش الجنسي فهو‬
 ‫البشر في الجنس واللون والهوية‬      ‫والضحايا قبل أن يتطور الوضع‬            ‫غريزة ذكورية (عدوانية) لا تتعلق‬
                                            ‫لديهم للابتزاز أو القتل‪.‬‬         ‫بالجنس أكثر من تعلقها باحتقار‬
                        ‫والدين‪.‬‬                                            ‫الضحية وتمييزه‪ ،‬إضافة لعدوانية‬
     ‫مع ذلك لست متشائ ًما تجاه‬           ‫في رأيك‪ ..‬لماذا يخفق‬                  ‫المتحرش التي يمكن اكتسابها‬
  ‫مستقبل التنوير‪ ،‬فهناك تطورات‬      ‫خطاب التنوير‪ ،‬على تعدد‬                    ‫من محيطه الاجتماعي أو تراكم‬
  ‫وإنجازات قد حدثت‪ ،‬تذ َّكر مث ًل‬                                            ‫حوادث سابقة لديه تعرض فيها‬
   ‫فتاوى ُحرمة الموسيقى والغناء‬       ‫مستوياته‪ ،‬في الوصول‬                     ‫للظلم‪ ،‬فيفرغ طاقته في العدوان‬
                                        ‫إلى الناس‪ ،‬ولما يفشل‬                   ‫على الضعفاء‪ ،‬أقرب ضحية له‬
       ‫ووجوب النقاب والشريعة‬           ‫في إقناعهم؟ هل توافق‬                      ‫كالنساء والأطفال والأقليات‬
     ‫والخلافة قبل عصر الثورات‬             ‫أنه ثمة شط ًطا لدى‬                  ‫بوصفهم أضعف فئات المجتمع‬
  ‫وبينها الآن‪ ..‬وتذكر كيف كانت‬
   ‫مقدمة خطبة الجمعة ‪ 15‬دقيقة‬      ‫التنويريين يجعل خطابهم‬                           ‫بنيا ًنا وحقو ًقا اجتماعية‪.‬‬
     ‫لوحدها‪ ،‬الآن صارت الخطبة‬              ‫في حاجة للضبط؟‬                     ‫أما عن التحرش في الغرب فهو‬
     ‫كاملة ‪ 20‬دقيقة مختصرة لا‬                                                   ‫موجود‪ ،‬لكن يوجد انفتاح في‬
    ‫مساحة فيها لقصص خرافية‬              ‫يوجد فارق عندي بين العمل‬            ‫تناوله وحماية تامة للإناث الذين‬
 ‫وتمثيليات منبرية كما كان يحدث‬           ‫التنويري و(دعايا) التنوير‪:‬‬           ‫يقدمون على التبليغ‪ ،‬بينما لدينا‬
  ‫قدي ًما‪ ،‬وتذكر كيف كانت كلمات‬        ‫الدعايا من الادعاء‪ ..‬ك ٌّل ي َّدعي‬    ‫هذا غير متحقق‪ ،‬فتصمت أغلبية‬
   ‫(علمانية‪ -‬تشيع) محظورة في‬                                                 ‫النساء عن حوادث التحرش‪ ،‬مما‬
 ‫الإعلام ولا نراها سوى في الكتب‬                        ‫وصلا بليلى‬              ‫يعني أن التحرش لدينا ظاهرة‬
 ‫الصفراء وعلى الأرصفة الخاصة‬               ‫الذي يحدث الآن هو نوع‬              ‫بالفعل‪ ،‬ولا أملك إحصائية على‬
     ‫بالفتن وملاحم آخر الزمان‪،‬‬         ‫مضطرب من (دعايا) التنوير‪،‬‬
 ‫وتذكر كيف أن ‪ %99‬من خلافات‬            ‫جوهر اضطرابه في استخدامه‬                  ‫نسبة الإناث الذين تعرضن‬
  ‫الشيوخ قبل ‪ 10‬سنوات هي على‬              ‫لتصفية حسابات شخصية‬                    ‫للتحرش‪ ،‬لكن بسؤال بسيط‬
  ‫التفاهات والصغائر‪ ،‬الآن لم تعد‬         ‫وسياسية وأحيا ًنا‪ ،‬في تملق‬           ‫لكل أنثى يمكن الوصول أن كل‬
‫عقولهم تقبل تلك الخلافات لوجود‬     ‫ومصالح الطبقات البرجوازية‪ ،‬إنما‬            ‫امرأة خرجت للشارع تعرضت‬
 ‫ما هو أهم منها يشكل خط ًرا على‬    ‫جوهر العمل التنويري في القوانين‬
                                   ‫والتشريعات و ُن ُظم وبرامج التعليم‬
                                    ‫وكل هذا غائب‪ ،‬أي ًضا في الانفتاح‬
                                     ‫والسلام والحريات كذلك غائب‪.‬‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237