Page 139 - merit 46 oct 2022
P. 139

‫نون النسوة ‪1 3 7‬‬                                                ‫تكا ُشف البوح‬
                                                                ‫بين أنين الصمت‬

                                                                 ‫وسكون الليل‬

                                                                ‫إن من أبرز محركات‬

                                                                ‫ودواعي البوح داخل‬

                                                                ‫الرواية النسوية في العالم‬

                                                                ‫العربي عامة‪ ،‬ما شهدته‬

                                                                ‫قضية المرأة ومعاناتها‬

                                                                ‫في مجتمع ذكوري من‬

                                                                ‫اهتمام بالغ‪ ،‬وكذلك‬

                                                                ‫السعي إلى ترسيخ الهوية‬

                                                                ‫النسائية في واقع ثقافي‬

                                                                ‫ممانع‪ ،‬وحب الحرية‬

                                                                ‫والمشاركة في الحياة‬

‫فتحي إمبابي‬  ‫عبد الله السلايمة‬                     ‫بيير بورديو‬  ‫العامة‪ ،‬فقد جنحت المبدعة‬
                                                                ‫منى العساسي في روايتها‬
 ‫ومسان ًدا‪ ،‬حيث استطاعت منى من خلال التنويع‬
‫في استراتيجيات الكتابة والسرد‪ ،‬أن تعتقل القارئ‬                  ‫ليالي الهدنة إلى لغة البوح‪،‬‬
‫داخل محيطها المتشعب بالأحداث التي ترويها عن‬
‫ما تكنه نفسها‪ ،‬وما عاشته من حب تجسد تارة في‬        ‫واعتنقت شجون الذكريات‪ .‬كما حاولت تصوير‬
 ‫زمن الماضي والحاضر‪ ،‬في الواقع والافتراض‪ ،‬في‬
                                                   ‫أزمة المرأة وصراعها النفسي الداخلي الذي تتخبط‬
                                ‫اليقظة والحلم‪.‬‬
                                                   ‫فيه‪ ،‬صراع الأنا مع ذاته‪ ،‬ومع الآخر‪ ،‬وما يتولد‬

                                                   ‫عن هذا الصراع من مفارقات صارخة على مستوى‬

                                                                ‫الفكر والهوية والمصير‪.‬‬

             ‫الفتور المشاعري والهدنة‬               ‫وهذا ما ميز كتابة المرأة‪ ،‬فأغلب ما تكتبه «يعبر عن‬

                                                   ‫مسائلها الإنسانية الناجمة عن وضعها البيولوجي‪،‬‬

       ‫يبين العنوان نو ًعا من الفتور المشاعري لدى‬  ‫وهذا الانعكاس أثر بشكل مباشر في مواضيع‬
   ‫الساردة‪ ،‬فلا يمكن الحديث عن مفهوم الهدنة إلا‬
 ‫بعد صراع وحرب وعاصفة‪ ،‬فالهدنة التي تعاقدت‬         ‫الكتابة لديها‪ ،‬إضافة إلى التركيز على إنسانيتها‬
   ‫مع لياليها البطلة هنا‪ ،‬أشبه بإشراقة شمس بعد‬
   ‫ليلة هوجاء ماطرة وباردة‪ ،‬إنها ذلك الدفء الذي‬    ‫وضرورة أن تعيش دورها الطبيعي داخل‬
   ‫يذيب جليد العلاقة بينها وبين ذلك العجوز الذي‬
‫أحبته‪ ،‬لتنهمر ماؤه على جبينها ويأخذ مجرى الدمع‬                  ‫المجتمع»(‪.)1‬‬

    ‫والاشتياق‪ .‬نرصد من خلال ما جاء في الرواية‬      ‫تجسد منى العساسي تراجيديا مثيرة من خلال‬
  ‫من وقائع‪ ،‬حالة البطلة‪ /‬الساردة التي لم تكشف‬
   ‫عن اسمها وهويتها‪ ،‬ولا عن أسماء الشخصيات‬         ‫متنها الحكائي‪ ،‬فمع تعاقب الليالي التي وصلت‬

        ‫المشاركة‪ ،‬وفضلت الاكتفاء بضمير المتكلم‪.‬‬    ‫إلى أربع وثلاثين ليلة‪ ،‬بينما فقدت الليلة الأخيرة‬
        ‫«أحدق في الهاتف كأني أرجوه أن ينطق‪،..‬‬
 ‫أستعطفه ليأتي‪ ،..‬أضحك وأبكي في آن واحد‪.)2(»..‬‬     ‫ترتيبها‪ ،‬ترنح البوح بأشكال مختلفة في كل ليلة‬

                                                   ‫وليلة‪ ،‬فقد التحف هذا البوح وتشابك مع الحنين‬

                                                   ‫للماضي في ثوب الحاضر‪ ،‬واع ُتصر بوشائج‬
                                                   ‫الذكريات المليئة بالوقائع والأحداث المثيرة‪ ،‬التي‬

                                                   ‫سبحت وغاصت بالقارئ إلى عوالم من الخيال‪،‬‬

                                                   ‫فالمتأمل في تعاقب الليالي يقتحم بيت الساردة‪،‬‬

                                                   ‫وليرافقها في حكيها ويقف في صفها داع ًما‬
   134   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144