Page 134 - merit 46 oct 2022
P. 134

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪132‬‬

                                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

     ‫مائدة طعام‪ ،‬بدايتها ليلة واحدة ونهايتها ليالي‬                            ‫منتصفة تختها البارد‪.‬‬
     ‫متتالية لا تنتهي ولا تريد الانتهاء‪ ،‬لأن سكان‬     ‫خيالات غرفتها المظلمة من حولها‪ ،‬تهمس إلى ظله‬
                                                       ‫المنتصب أمامها في صورته الهليوجرامية» (ليالي‬
         ‫الجوار يفضلون سماع حكايات شهرزاد‪.‬‬
                                                                      ‫الهدنة مطارحات الألم ص‪.)95‬‬
  ‫من هم السكان الأصليون للرواية؟‬                     ‫ربما فكرة الانتصار لليل على حساب النهار وجعل‬
                                                    ‫الليل زمنًا للهدنة يحيلنا إلى طرح السؤال التالي‪ :‬هل‬
       ‫الرواية سجل حافل بالذكريات‪ ،‬وعالم مليء‬
 ‫بالأحداث‪ ،‬نحاول دائ ًما أن نبحث عن ذواتنا داخل‬             ‫تريد الروائية أن تجعل الليل زمنًا يوتوبيًّا؟‬
‫المنظومة الروائية‪ ،‬فلا هي تشبهنا ولا نحن نشبهها‪،‬‬       ‫إذا كانت اليوتوبيا مدينة آمنة يحلم بها كل فرد‬
                                                    ‫لأنها تحقق له كل ما يصبو إليه‪ ،‬ولأنه مكان فاضل‬
    ‫إنما نحن نحاول الاقتراب منها حتى ننتمي إلى‬      ‫ظل غريبًا وصعب المنال‪ ،‬فإن الروائية في دوامة مع‬
   ‫دائرتها‪ ،‬لهذا يمكننا القول إن سكان هذه الرواية‬     ‫يومياتها المختلفة والمتشابكة‪ ،‬فلا النهار قادر على‬
 ‫هم الق َّراء الذين يأتون من كل مكان يبحثون‬             ‫تحقيق جزء من حلمها‪ ،‬ولا الأيام التي وعدتها‬

    ‫عن ذواتهم داخل هذا العمل الروائي‪،‬‬                       ‫أن تتعايش معها قادرة أن تحقق لها الجزء‬
     ‫فالقارئ هو فرد من هذه المنظومة‬                         ‫الآخر‪ ،‬لذلك جعلت لياليها يوتوبيا تسكنها‬
      ‫يحاول أن يكون واح ًدا من أبرز‬
    ‫سكانها‪ ،‬لهذا يمكننا القول إن هذه‬                                ‫كل يوم‪ ،‬لأن الليل مكنها من سرد‬
 ‫الرواية قد وجدت سكانها في الانتظار‪،‬‬                           ‫قصصها‪ ،‬وجعل سكان المدينة الفاضلة‬
    ‫هؤلاء السكان في الحقيقة هم السكان‬
      ‫الأصليون‪ ،‬تربطهم علاقة مصاهرة‬                                 ‫الذين يقيمون معها أو يجاورونها‬
    ‫يبحثون عن معنى الحياة لأنهم فقدوا‬                                ‫أن يستجيبوا لندائها أو يستمعوا‬
‫معناها وسط زحام المارة‪ ،‬هؤلاء السكان‬
  ‫ينتمون إلى سلالة واحدة تتكاثر عبر‬                                    ‫لأحاديثها‪ ،‬عل ًما أن اليوتوبيا لا‬
 ‫مراحل تاركة خلفها بذرة تنتج بكل‬                                          ‫تقبل الغريب والدخيل‪ ،‬لكن‬
‫سهولة ويسر‪ ،‬إذ تجعل الليالي‬                                              ‫طريقة السرد الموجود داخل‬
‫زمنها المفضل حتى تجتمع‬                                                     ‫الرواية م َّكن الأصدقاء من‬
   ‫على مائدة الحكايات‪،‬‬
‫ولأن الليل زمن مفضل‬                                                     ‫الوقوف على أسوار اليوتوبيا‬
   ‫لدى هؤلاء السكان‬                                              ‫ينتظرون دورهم في الدخول من أجل‬
 ‫فإنهم يأتون من كل‬
  ‫مكان ليجتمعوا على‬                                                ‫سماع قصص شهرزاد‪ ،‬ذلك العالم‬
     ‫مائدة الحكايات‪،‬‬                                                     ‫الغريب والجميل الذي يحلم‬
                                                                           ‫به كل فرد‪ ،‬ولأن شهرزاد‬
       ‫ويستمعوا إلى‬                                                         ‫استطاعت أن تعد للزوار‬
  ‫شهرزاد وهي تقص‬                                                                ‫الأكل المناسب‪ ،‬فإنها‬
 ‫على مسامعهم حكايا‬                                                               ‫قد تمكنت من جلب‬
  ‫ممزوجة بالفنطازيا‬                                                             ‫عدد كبير من الزوار‪،‬‬
                                                                                  ‫لأن طبيعة العلاقة‬
   ‫وأخرى بالديستوبيا‬                                                          ‫الموجودة بين شهرزاد‬
 ‫وعوالم مختلفة عن الحب‬                                                         ‫والأصدقاء مبنية على‬
                                                                             ‫الصدق‪ ،‬لهذا استطاعت‬
     ‫والعلاقات الغرامية‪.‬‬                                                       ‫الروائية أن تحقق هذا‬
  ‫وربما ع َّن لذهننا الناقد‬                                                ‫المبدأ‪ ،‬فجعلت من مملكتها‬
                                                                             ‫مدينة فاضلة تجلب كل‬
                                                                               ‫السواح وتجمعهم على‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139