Page 132 - merit 46 oct 2022
P. 132

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪130‬‬

                                                   ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

      ‫متنوعة‪ ،‬غايتها المتعة وتقاسم اللحظات‪ ،‬حتى‬       ‫المميز؛ فإن هذا النص قد أثبت حضوره الجمالي‬
  ‫تجعل من الحياة رباطها الأساسي الخير‪ ،‬والحب‬                        ‫وزين مقعده وسط زحام الق َّراء‪.‬‬

                                      ‫والمنفعة‪..‬‬    ‫عندما نحلق في سماء النص الموجود أمامنا نلاحظ‬
 ‫في رواية منى العساسي (ليالي الهدنة‪ -‬مطارحات‬            ‫أنه سلسلة لا متناهية من الدلالات‪ ،‬ولأن تيار‬
 ‫الألم) نوع من السرد الشهرزادي‪ ،‬تواصل الحكي‬
 ‫ولا تؤمن بفكرة الانتظار‪ ،‬بل تجعل الحياة سلسلة‬     ‫الوعي لا يقبل الاجترار ولا يؤمن بفكرة الاحتباس‬
   ‫من الحكايات التي يعيش عليها الملك وكل الناس‪،‬‬      ‫الدلالي‪ ،‬إنما يدعو إلى تعدد القراء وتعدد الدلالات‬
‫لذلك ونحن نتتبع خطاب الليالي لدى منى العساسي‬             ‫حتى يستقيم النص‪ ،‬ولأن اللعب على مختلف‬
  ‫نلاحظ أنه منظومة من الذكريات اللامتناهية التي‬       ‫التقنيات دون الإشارة إليها تجعل القارئ يصل‬
                                                      ‫إلى حد من التفكير وتوسع له دائرة البحث‪ ،‬لأن‬
     ‫تروى بطريقة مباشرة يسمعها كل من يسكن‬            ‫النمطية المعتادة أضحت تسبب قصو ًرا بلي ًغا لدى‬
                                ‫بجوار شهرزاد‪.‬‬        ‫المتلقي‪ ،‬فالنفور من كل ما هو مكرر يفتح المجال‬
                                                    ‫أمام القارئ حتى يبحث عن بوصلة المعنى‪ ،‬وتتيح‬
 ‫الرواية التي تحكمها ليالي متعددة في كل ليلة قصة‬      ‫للمبدع إمكانية البحث عن أنماط جديدة للكتابة‪.‬‬
 ‫تحاول من خلالها الروائية أن تنسج خيو ًطا لترفع‬     ‫النشاط اللغوي داخل النص ش َّكل جز ًءا كبي ًرا من‬

   ‫من درجة توتر الخطاب المبرمج لقصص الليالي‪،‬‬       ‫جوهر الإبداع‪ ،‬إذ نلاحظ تبار ًزا بين اللغة ومختلف‬
 ‫ولأن الليل قد جعل لبا ًسا لكل سائل‪ ،‬فإن الروائية‬      ‫التقنيات السردية‪ ،‬فلا اللغة خاسرة ولا الزمن‬
                                                       ‫قاصر‪ ،‬فثنائية اللغة والزمن مث ًل ش َّكلتا عمو ًدا‬
     ‫قد جعلته زمنًا للحكايات وتقاسم اللحظات مع‬
                                  ‫سكان الجوار‪.‬‬      ‫أفقيًّا ينتظر عمو ًدا آخر يتقاطع معهم حتى يتحقق‬
                                                    ‫الانسجام‪ ،‬قد يكون عمود التأويل الأنثوي للعالم‪.‬‬
    ‫المتأمل للنسيج العمراني الموجود داخل الرواية‬   ‫إذن من خلال كل هذا يمكننا القول إن هذه الرواية‬
      ‫يمكنه القول إن الليالي المستثمرة داخل النص‬   ‫قد ش َّكلت منعط ًفا حاس ًما في الكتابة‪ ،‬لأنها تبنت كل‬
                                                    ‫النواميس الجديدة‪ ،‬وتركت كل ما هو قديم مكرر‪،‬‬
  ‫تختلف من ليلة إلى أخرى‪ ،‬وذلك راجع إلى طبيعة‬
     ‫الأيام التي عاشتها‪ ،‬فالاختلاف يصنع الفارق‪،‬‬       ‫لهذا ونحن نقرأ الرواية نحس وكأننا نغوص في‬
    ‫والتشابه يصيب بالكسور‪ ،‬ولأن طبيعة العلاقة‬      ‫عوالم جيمس جويس ومارسيل بروست وفرجينيا‬
     ‫الموجودة بين النص والروائية علاقة متكاملة‪،‬‬
                                                       ‫وولف‪ ،‬لكن حين نقلِّب الصفحات جي ًدا يتضح‬
  ‫فهدا يجعل النصوص مرآة عاكسة لطبيعة الحياة‬         ‫لنا بأنها عوالم منى العساسي التي شكلت خطا ًبا‬
 ‫التي تعيشها‪ ،‬ونوع الأيام التي تصاب فيها بالقلق‬
                                                                         ‫روائيًّا أصي ًل‪ ،‬يعكس مدى‬
                               ‫والحيرة والأرق‪.‬‬                          ‫قدرتها وبراعتها في الكتابة‪.‬‬
 ‫على شاكلة شهرزاد تواصل‬
  ‫منى العساسي حكيها الذي‬                                        ‫ألف ليلة وليلة دائ ًما‬
                                                                       ‫وأب ًدا‬
    ‫يرفض الانتهاء‪ ،‬بل يحتم‬
  ‫عليها الانتصار للحكي‪ ،‬لأن‬                                        ‫على طريقة شهرزاد التي‬
 ‫طبيعة الحياة تشجع الحكي‬                                         ‫تحكي يومياتها للملك دون‬
  ‫وتكره الانتظار‪ ،‬ولأن حياة‬
                                                                     ‫بتر ولا تحريف ودون‬
    ‫الروائية مليئة بالحكايات‬                                    ‫تزييف (لأن الخيال على حق‬
  ‫فقد جعلت نصوصها مبنية‬                                         ‫دائ ًما وغير قابل للكذب كما‬
 ‫على فكرة الحكي غير المنتهي‬                                      ‫يقول إمبيرتو إيكو)‪ ،‬تقص‬

    ‫المبني على فكرة التداعي‪.‬‬                                        ‫له كل حكاياتها بطريقة‬
   ‫ولأن الأيام غير متشابهة‪،‬‬

      ‫وفيها نوع من الصراع‬
‫الوجودي من جهة‪ ،‬والصراع‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137