Page 176 - merit 46 oct 2022
P. 176

‫العـدد ‪46‬‬                           ‫‪174‬‬

                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫العمل على تجنب الوصول إليه‪،‬‬           ‫جهنم تتقد في قلوب الكافرين)‪،‬‬           ‫معرفة حق‪ ،‬وهي ما ظهر الله‬
      ‫ويمثل هذا الفريق التستري‬           ‫فيقول‪ :‬أي لا تخمد بأكل الجلد‬        ‫لعباده من الأسامي والصفات‪،‬‬
                                         ‫واللحم حتى يخلص حرها إلى‬             ‫ومعرفة حقيقة‪ ،‬وهي لا سبيل‬
 ‫والقشيري ومن شابههما القول‪.‬‬                                                  ‫لَِوعهْلَام ًماال»قَخوْل(لَفهطُههْم«‪َ :‬ي َْوع‪ََ 0‬ل‪1‬لُم‪ُ 1‬ي)َم ِاحبييَبنُْيطمَوان َ َأني ْيق ِبِدوِهي ِله ْم‬
   ‫في النهاية أرى أن الصوفية لم‬            ‫القلوب‪ ،‬والنيران أربعة‪ :‬نار‬     ‫عنها الشبلي (توفي ‪ 334‬هجرية)‬
      ‫تستطع الاتفاق بين علمائها‬       ‫الشهوة ووظيفتها حرق الطاعات‪،‬‬          ‫‪-‬بحسب ما هو مذكور في كتاب‬
   ‫ومفسريها على معاني واضحة‬                                                 ‫اللمع للطوسي‪ -‬إن من علامات‬
    ‫لتفسير الجنة والنار‪ ،‬وهو ما‬           ‫ونار الشقاوة ووظيفتها حرق‬        ‫المعرفة المحبة لأن من عرفه أحبه‪.‬‬
      ‫يتماشى مع كونهم يؤمنون‬               ‫التوحيد‪ ،‬ونار القطيعة وهي‬        ‫وبينما يرى التستري أن المعرفة‬
                                                                            ‫غايتها الدهش والحيرة‪ ،‬ويوافقه‬
 ‫بفردية التجربة‪ ،‬وارتباط التفسير‬        ‫تحرق القلوب‪ ،‬ونار المحبة وهي‬         ‫الشبلي بحسب ما ذكر في كتاب‬
    ‫لديهم بالمعاني الخفية المرتبطة‬                 ‫تحرق النيران كلها‪.‬‬
   ‫بالأسرار والإشارات والرموز‪،‬‬                                                 ‫الرسالة للقشيري في وصف‬
                                        ‫أما القشيري فيفسر قوله تعالى‬            ‫العارف بقوله‪ :‬أعرف الناس‬
  ‫وما يفيض به الله على عبده كلما‬        ‫«جهنم يصلونها وبئس القرار»‬             ‫بالله تعالى أشدهم تحي ًرا فيه‪،‬‬
‫ازداد محبة واقترا ًبا‪ ،‬ولكنها أي ًضا‬                                         ‫يأتي رأي أبوعلى الدقاق (توفي‬
                                           ‫(إبراهيم‪ )29 :‬بأنها الجحيم‬         ‫‪ 405‬هجرية) في نفس الكتاب‬
   ‫لم تستطيع الابتعاد بالكلية عن‬      ‫المعجل‪ ،‬وعذابها الفرقة لا الحرقة‪،‬‬    ‫مختل ًفا حيث يقول‪ :‬المعرفة توجب‬
  ‫التفاسير التقليدية للجنة والنار‪،‬‬                                            ‫السكينة في القلب كما أن العلم‬
‫وإنما حاولت ‪-‬في بعض الأحيان‪-‬‬             ‫واستخدامه لكلمة المعجل تعني‬           ‫يوجب السكون‪ ،‬فمن ازدادت‬
   ‫أن تجمع بين المدلولات اللغوية‬           ‫وجود عذاب مؤجل وهو نار‬
‫التقليدية وبين لغة الرمز والإشارة‬                             ‫الآخرة‪.‬‬              ‫معرفته ازدادت سكينته‪.‬‬
    ‫في شكل تقسيمات وتصنيفات‬                ‫ومما سبق نستطيع أن نرى‬            ‫وإذا ما انتقلنا إلى كتاب تفسير‬
                                                                           ‫القرآن العظيم للتستري وتفسيره‬
    ‫ودرجات‪ ،‬فهل كان هذا بدافع‬           ‫أن الصوفية تنقسم إزاء مدلول‬            ‫اللَّلتِآيية َتن َّطفلِ ُعسه َاع َ«ل َناا ْ ُرَل ْافئِل ََّدلِ ِةا»ْلُنو َقج َدد ُةه‪،‬‬
   ‫اتقاء غضب علماء أهل الظاهر؟‬             ‫النار إلى فريقين‪ ،‬فريق يغلب‬     ‫يذكر أنوا ًعا أخرى من النيران قد‬
  ‫أم كان نو ًعا من الذكاء والمناورة‬       ‫عليه النار الدنيوية المتمثلة في‬     ‫نستطيع أن نعتبرها امتدا ًدا أو‬
‫لضمان استمرار الدعوة واكتساب‬               ‫الانفصال والابتعاد عن الله‪،‬‬       ‫تفصي ًل لتعبير الصادق (نيران‬
 ‫المزيد من الأنصار؟ أم أنه احتياج‬
    ‫غريزي بداخل الإنسان لفكرة‬         ‫حيث إن الخوف من النار والطمع‬
‫الثواب والعقاب الحسي‪ ،‬إلى جانب‬            ‫في الجنة لم يعد هو الهدف في‬

       ‫الثواب والعقاب الوجداني؟‬       ‫معاملة المحبوب‪ ،‬وإنما الشوق إليه‬
                                      ‫ومخافة القطيعة هي ما يخشونه‪،‬‬
                                        ‫ويقول بهذا جعفر الصادق ومن‬

                                            ‫قال بمثل قوله‪ ،‬وفريق آخر‬
                                      ‫يحاول إيجاد تواز ٍن بين نار الدنيا‬
                                      ‫ونار الآخرة‪ ،‬وأن كليهما يستحق‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181