Page 26 - merit 46 oct 2022
P. 26

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪24‬‬

                                                        ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫(صورة ذهنية)‪ ،‬فاهتم بذلك بالبحث في علاقات‬             ‫الروائي‪ ،‬أو الزمكانية المؤطرة لهذا المسرود الفني‪،‬‬
 ‫النص‪ ،‬على مستوى داخلي يتجاوز الجملة الواحدة‪،‬‬              ‫نجح في إنتاج دلالة الرفض التي توخى الروائي‬
 ‫متأث ًرا كذلك‪ ،‬بالاتجاه البنيوي المتمثل‪ ،‬في تحليلات‬
                                                         ‫تسريبها‪ ،‬بل بلورتها‪ ،‬عبر َق ِّصه‪ .‬فالدويهي يحاول‬
       ‫المدرسة الروسية فلاديمير بروب ‪Vladimir‬‬           ‫بقصدية‪ ،‬في روايته هذه‪ ،‬استنطاق التاريخ المعاصر‬
‫‪ Propp‬ما يشير إلى الجذر البنيوي في منهج تحليل‬
‫الخطاب الذي جمع كلا الاتجاهين‪ :‬البحث عن البنية‬             ‫لمدينة غرقت في تحولاتها‪ ،‬من خلال تشكي ٍل فني‬
                                                               ‫لمشهدية المكان‪ ،‬وللقاطنين فيه‪ ،‬بحيث جاءت‬
     ‫الكلية الكامنة في النص‪ ،‬ومظاهرها الخارجية‪،‬‬
      ‫فض ًل عن استثمار تحليل الخطاب لإنجازات‬              ‫رؤيته لمدينة طرابلس‪ ،‬أو لجزء حيوي منها‪ ،‬رؤية‬
‫السيميولوجيا‪ ،‬في توجهها نحو‪« :‬الوحدات الوظيفية‬           ‫بصرية سينمائية متحركة نضحت‪ ،‬بتفاعل الأمكنة‬
    ‫في النصوص»(‪ .)7‬شكلت كل تلك الجهود إنجا ًزا‬
     ‫حقيقيًّا يعي ُن‪ ،‬على إنجاز التأويل‪ ،‬وفهم المؤول‪،‬‬         ‫والأزمنة‪ ،‬وبتقابلها‪ ،‬بحيث يمكننا أن نلاحظ‪:‬‬
  ‫وفق «تأويلية هايدجر»‪ ،‬ما أسهم في قراءة النص‬              ‫«أن القصة ليست مجرد إشباع رغبة وميل‪ ،‬إنها‬
  ‫السردي في فضائه‪ ،‬وليس في خطيته فقط‪ ،‬وأتاح‬                ‫بالتأكيد عم ٌل مقصو ٌد لذاته‪ .‬وهذا ما يجعل منها‬
 ‫للناقد التقاط القوانين العامة المولدة له‪ ،‬والنظر إلى‬   ‫فنًّا معمار ًّيا تخبر معماريته عن معمارية الأمة التي‬
‫النص‪ ،‬بوصفه نظا ًما إشار ًّيا دا ًّل يكشف عنه المنهج‬    ‫ينتمي الفنان إليها‪ ،‬ومعنى يفضح سره سر الكاتب‪،‬‬

                                         ‫المتبع‪.‬‬                          ‫وألق المجتمع الذي يكتب له»(‪.)4‬‬
      ‫استدعى التوغل‪ ،‬في عمق البنية الروائية لهذه‬               ‫ُيعنى المنهج السردي البنيوي بدراسة المكان‬
     ‫الرواية‪ ،‬واكتناه دلالاتها‪ ،‬الإفادة من المعطيات‬         ‫الروائي‪ ،‬لأهميته في المتخيل الروائي‪ ،‬بحسبانه‬
       ‫المفهومية السابقة لدراسة‪« :‬وظائف التشكل‬           ‫الحاضن الأساسي للأحداث‪ ،‬والإطار العام لحركة‬
     ‫المكاني‪ ،‬وتصنيفه في دوائر تب ًعا لمجريات نوع‬        ‫الشخصيات المتفاعلة معه‪ ،‬والمنفعلة به‪ ،‬والمتشابكة‬
  ‫الأحداث الواقعة فيه»(‪ .)8‬لكن قبل مقاربة التحول‬         ‫فيما بينها في أنحائه على تنوعها‪ .‬من خلال المكان‪،‬‬
 ‫الذي ضرب عمي ًقا في المدينة‪ ،‬وسرى إلى أبنائها‪ ،‬لا‬          ‫يتمكن الروائي من تقديم منظوره‪ ،‬وهو ينشيء‬
  ‫بد من تبين أسرار المدلول عبر وصف الدال‪ ،‬بد ًءا‬         ‫فضاءه المقصود من التحام المكان بالزمان‪ .‬وتتمثل‬
  ‫من استقراء دلالة العنوان «حي الأميركان»‪ ،‬الذي‬              ‫المهمة الرئيسية للنقد البنائي بدراسة‪« :‬وظيفة‬
  ‫تم توظيفه كمجاز جزء دال على الكل‪ ،‬وصو ًل إلى‬            ‫كل عنصر‪ ،‬في البناء‪ ،‬في إطاره الكامل الذي يحمل‬
                                                             ‫المغزى كله للعمل»(‪ .)5‬كذلك اهتمت السيميائية‬
                       ‫الدلالة الكلية لهذه الرواية‪.‬‬         ‫السردية‪« :‬بمضمون الحكاية‪ ،‬بما يرويه النص‪،‬‬
                                                          ‫وبتشكيلاته العميقة»(‪ .)6‬وقد تمكن المنهج البنيوي‬
            ‫دلالة العنوان‬                                ‫في الأدب‪ ،‬والمنهج السيميولوجي أو علم العلامات‪،‬‬
                                                           ‫من تحويل الدراسة الأدبية نحو الخطاب الأدبي‬
     ‫يوضح الدكتور خالد حسين في كتابه «نظرية‬               ‫عامة‪ ،‬والروائي منه على وجه التحديد‪ ،‬بحيث غدا‬
 ‫العنوان»‪ ،‬أهمية العنوان التي تنبثق كما يرى‪« :‬من‬             ‫تحليل الخطاب‪ ،‬بفعل تراكم النظريات النقدية‪،‬‬
                                                           ‫والممارسات المتنوعة عبارة‪ ،‬عن منظومة متسقة‪،‬‬
    ‫حيث هو مؤشر تعريفي وتحديدي‪ ،‬ينقذ النص‬
   ‫من ال ُغفلة‪ ،‬لكونه يشكل الحد الفاصل بين العدم‬                                  ‫من الإجراءات المنهجية‪.‬‬
   ‫والوجود‪ ،‬بين الفناء والامتلاء‪ .‬فأن يمتلك النص‬         ‫عل ًما بأن مفهوم الشعرية الذي تأسس‪ ،‬على البحث‬
    ‫عنوا ًنا‪ ،‬هو أن يحوز كينونة‪ ،‬والاسم‪ /‬العنوان‪،‬‬
   ‫في هذه الحال هو علامة هذه الكينونة»(‪ .)9‬يؤدي‬               ‫في أدبية النصوص‪ ،‬قد تأثر بالاتجاه اللغوي‪،‬‬
    ‫العنوان ببعده الدلالي والإيحائي‪ ،‬دو ًرا مه ًّما في‬  ‫وبإنجازات العا ِل السويسري فرديناند دو سوسير‬
    ‫عملية تأويل النص واختزاله‪ ،‬فهو يقوم بتعيين‬
  ‫طبيعة النص الذي َيسمه‪ ،‬ويشكل الإشارة الأولى‬              ‫‪Ferdinand de Saussure‬الذي ميز‪ ،‬بين اللغة‬
                                                        ‫(‪ )Langue‬وبين الكلام (‪ ،)Parole‬حاسبًا العلام َة‬

                                                            ‫اللغوية معاد ًل تركيبيًّا يتكون من دال ومدلول‪:‬‬
                                                          ‫العلامة اللغوية = دال (صورة صوتية) ‪ +‬مدلول‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31