Page 29 - merit 46 oct 2022
P. 29
27 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وتدريبه على الاستجابة والطاعة العمياء للأوامر، وتمثل شخصية إسماعيل العامل الذات الذي يعاني
ودفعه إلى المشاركة في عمليات الانتحار ،والتفجير، من تشرذمه وضياعه ،وانصياعه إلى خيارات الموت
ونشر الإرهاب. والتجنيد العشوائي للقتال ،ليستحيل فا ًّرا مطلو ًبا
هوية المكان الروائي :تستدعي كل قصة نقطة بوصفه إرهابيًّا يتبع تنظيم القاعدة ،فيعكس بذلك
انطلاق في الزمن ،ونقطة إدماج في المكان ،فالرواية هوية مجتمعية مسكونة ،بهواجس الفقر ،مستباحة
القائمة على فعل المحاكاة لا بد لها من حدث ،وهذا
الحدث يتطلب بالضروررة زما ًنا ومكا ًنا؛ والوضع الأبناء ،مفتوحة على احتمالات الموت والتشرد
المكاني ،في الرواية ،محدد أساسي للمادة الروائية، والضياع.
ولتلاحق الأحداث والحوافز ،بل إنه سيتحول في
النهاية إلى مكون روائي جوهري يتجاوز النظرة بنى الدويهي شخصية بطله شخصية مرتبكة،
رافضة ومنصاعة في آن ،متمردة وعاجزة .نقرأ
إليه بوصفه مجرد إطار ،بل سيكون كما رأى من خلالها ،حالات التمزق والضياع والهامشية
جيرار جينيت « :Genette .Gإذا كان بالإمكان التي عرفها أبوه ،من بعد إخفاقه في معركة «باب
أن توجد الأماكن والأشياء من دون حركة ،فإن الحديد» ،وفي إثر اتهامه وح َده ،من قبل اللجان
الحركة لا توجد من دون أماكن وأشياء تجري
الشعبية هناك بالخيانة العظمى .وهذه إحالة
فيها»(.)18 على كثير من الوقائع التي شهدتها تلك الحقبة
لا شك أن الدويهي قد تنبه إلى خاصية المكان التاريخية ،من العصر الحديث ،في ذلك الموقع
وأهميته في روايته هذه ،كما في سائر رواياته ،فهو الجغرافي .وكأن الدويهي في بنائه لهذه الشخصية،
يقول« :وجد ُت هذا الحي ملائ ًما للغاية ،إذ إنه مكا ٌن يصدر عن منظور نقدي يحاكم التحولات المربكة
هامشي ،شكله الهندسي مائل ،السيارات فيه قليلة، التي عصفت بمدينته طرابلس .فهو عرفها ماضيًا
وتملؤه المهملات الحديدية والتشوهات الإسمنتية، مدينة مسالمة متسامحة ،منفتحة على الآخر ،ساعية
إضافة إلى أنه يتحول إلى معرض لصور المرشحين إلى الحضاري الثقافي ،ومحتفية به ،لكن الحاضر
العنيف راح يقتاتها ،ويحيل أبناءها نماذ َج ممسوخة
حين الانتخابات»(.)19 قابلة للانسحاق ،وللخضوع إلى الخيارات الدموية
في سبيل تحصيل لقمة العيش ،فهو يضيء على
رؤية عامة إلى الأمكنة في الرواية المكان انطلا ًقا من الأيديولوجي الذي يضمره« :إن
النماذج المكانية تصبح القاعدة المنظمة لتصورنا عن
تقص «حي الأميركان» حكاية إسماعيل بلال
محسن ،الشاب القاطن مع أسرته في الطابق العلوي العالم ،أي لنموذج أيديولجي بكامله»(.)17
هكذا تبرز الضدية علاقة معقدة ومتشابكة تحكم
من منزل عبد الرحمن بكري (المشنوق) ،الكائن
في حي الأميركان .تحول إسماعيل ،عندما قارب إيقاع السرد في هذه الرواية ،وهي ضدية تقوم
العشرين من عمره ،إلى إرهابي منت ٍم إلى بعض بين شريحتين مجتمعتين كبريين ،تنموعلى إيقاع
المسافة السياسية والاقتصادية التي عرفتها المدينة
الجماعات الإسلامية المتطرفة ،ف ُألحق بالقطر
العراقي ،لينفذ إحدى العمليات الانتحارية ،حيث يتم عند تكوين الوطن ،والتي تتضخم ،وفق قانون
التراكم الطبيعي للموروث المالي ،وما يتصل به في
تجهيزه .لكنه يقلع عن التنفيذ في اللحظة الأخيرة، البيئات المتخلفة من تورم للسلطوي ،بفعل التقدم
تار ًكا الحزام الناسف في حمام عمومي ،مختا ًرا في الزمن .تتبلور شخصية العامل الذات إسماعيل
العودة إلى مدينته طرابلس ،وتحدي ًدا إلى «حي ممثلة شريحة من جيل الشباب الذي وجد نفسه
مولو ًدا في أحضان أزمة من أنجبه ،ليدفع هو ثمن
الأميركان» .تلاحقه قوات الاستخبارات الأمريكية، هزيمته ،حين تحو ِل المدينة الوادعة وك ًرا لاصطياد
وأبناء حيه يعلقون صوره تأكي ًدا على استشهاده،
العنصر الشاب /المؤهل فيها ،بتكوينه وبخلفيته
فيلجأ إلى عبد الكريم العزام! الاجتماعية والذهنية والعاطفية (إسماعيل وسواه)،
تتبلور أحداث الرواية ضمن مرحلتين أساسيتين: