Page 32 - merit 46 oct 2022
P. 32
العـدد 46 30
أكتوبر ٢٠٢2
-ابن المدينة عينها -لإيوائه مجر ًما هار ًبا من تسليط الضوء على رؤية معينة يلتقطها من عالم
العدالة (إسماعيل) بعد ملاحقته من قبل قوات الحقيقة ،ويودعها عالم الخيال ،فتتولد عنها رؤية
الاستخبارات الأمريكية إثر عودته من بغداد ،يعفى ترتدي غير وجه ،و ُيعزى ذلك إلى تعدد الرائين ،من
عبد الكريم من التجريم ،لانتمائه إلى أسرة آل العزام مواقع مختلفة ،ومن خلال ثقافات متعددة .فالراوي
«أبلغوا المركز بكل ما يحدث ،ومهما حدث لا تأتوا والرؤية «متداخلان ومترابطان ،وكل منهما ينهض
بحركة من دون استشارة القيادة ،أعفوني من أولاد
على الآخر ،فلا رؤية بدون را ٍو ،ولا را ٍو بدون
العائلات ،هذا جده زعي ٌم كبير»(.)25 رؤية»(.)23
وقد استطاع الكاتب استنطاق الذاكرة اللبنانية
الجماعية ،بل استنطاق الذاكرة العربية كذلك ،من فإسماعيل لا يرى من طرابلس إلا فقرها ،وتردي
خلال تسليطه الضوء على الماضي كاش ًفا عن تاريخ أحوال أهلها ،وأمراضهم والظلم الذي يتعرضون له،
مدينة طرابلس المشرف في النضال العربي ،وعن
مشاركاتها الجماهيرية ،واتخاذها المواقف الحازمة لذلك تسقط مميزات المكان عنده ،ميزات الاختلاط
حيال أحداث تاريخية معروفة ،وبذلك يصبح والعيش المشترك ،والحضاري المميز لتاريخ المدينة،
بمقدورنا استرجاع التاريخ من أرشيف الذاكرة؛
تاريخ طرابلس المدينة الوطنية التي شاركت في دعم ويصبح المكان بالنسبة إليه مجرد وسيلة لتحقيق
الثورة الجزائرية ،وفي مناصرة جمال عبد الناصر، غاية ،إنه نقطة الانطلاق للتدمير بغية حصول
وفي احتضان اللاجئين الفلسطينين. التغيير ،فشخصيته نتاج التهميش والإهمال الذي
لذا يصبح اختيار الروائي مكان عيش الشخصية، لحق بالمدينة ،وما نتج عن ذلك من انهيار لسلم
مبنيًّا على مدى ملاءمة المكان للقناعات والأفكار التي القيم في نفسه ،ونفوس الشباب أبناء جيله.
يبلورها عبرها ،ويسربها من خلال طريقة تفكيرها. ولعل حضور ثنائية :الفقر #الغنى الناتجة
لأن لكل مكان من أمكنة الرواية «دلالة تحاكي شيئًا عن استفحال رأس المال ،وتسلطه واستحواذه
ما في ذات الكاتب أو في الذات الاجتماعية لتصبح على السياسي ،وانصراف هذا الأخير (الوريث
السياسي) عن العناية بشؤون الناس العاديين،
مؤثرة وفاعلة لا أماكن وعاء وأماكن اتكاء»(.)26 تطلبًا للمظهرية والمباهاة فقط (الجد العزام #
والسؤال هو ،سؤال التحول للمكان في الزمن ،سؤال رياض العزام) ،يختزل عمق القضية المطروحة
في الرواية ،فمن رحم هذه الثنائية تبرز إشكالية
الواقع المقلوب الذي نتلمس مظاهره ،من خلال التطرف والعنف ،ورفض الآخر ،والتعصب
تتبعنا لتحولات الأمكنة من خلال: والعدوانية ،وبالتالي يظهر تحول هوية المدينة
تحول الحي الشعبي «حي الأميركان» المنفتحة المسالمة إلى بؤرة حقيقية للتعصب ولتصدير
(بؤرة التحول الرئيسية في المدينة) الإرهاب ،وما يرافق ذلك من تداعيات على النفوس
وعلى الأفعال.
يكتسب المكان /حي الأميركان صبغة استثنائية في
هذه الرواية ،فهو ليس مكا ًنا معتا ًدا كالذي نعيش فبداية تحول هوية المدينة ينطلق من حي الأميركان،
فيه ،أو نخترقه يوميًّا ،ولكنه تشك ٌل لعنصر من إحدى البؤر المهمشة فيها ،والتي يتعرض أبناؤها
بين العناصر الأساسية المكونة للحدث الروائي، للاتهام الفوري بمجرد وقوع أي من الحوادث
وسواء جاء في صورة مشهد وصفي ،أو كان مجرد الأمنية على أرضها ،لذلك ينشط جهاز المخابرات في
إطار للأحداث ،فإن مهمته الأساسية تمثلت في أنحائه ،ويتعامل أفراده بعدوانية مع ناسه «يعرف
التنظيم الدرامي للأحداث .وهذا الحي ينطبق عليه حي الأميركان الأوامر الصباحية ،صوت ارتطام
ما يعلنه شارل غريفل Charles Grivelمن «أن النعال العسكرية بحجارة الأدراج ،خرطشة البنادق
الفضاء الروائي هو الذي يكتب القصة حتى قبل أن
والصراخ الأخير أحيا ًنا قبل إطلاق النار إذا ما
زين لأحد المطلوبين الفرار أو لأحد الشبان تسريع
الخطى إن لمح الدورية تنتشر في الحي»(.)24
بينما يجري مث ًل تغطية تصرف عبد الكريم العزام