Page 37 - merit 46 oct 2022
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
مشروعين متقابلين ،مشروع حياة ومشروع موت، استنتاج
وفي سياق تبلورهما تبرز الصراعات وتتحدد.
تبدو الصراعات نابعة من داخ ٍل( :داخل يظهر الرصد الخاص ،لأشكال الوجود الإنساني،
في رواية حي الأميركان ،تقدي ًما لنوا ٍح من الواقع
الشخصيات -أعماق الحياة المجتمعية المحلية) ،ومن
خار ٍج( :الأحداث القومية والمواقف التي ترافقها- الفعلي ،لا تنم عنه هوية الشخصيات وحسب،
التطرف وتمظهراته :مسلح غريب +تجهيز)، بل يبرز أي ًضا ،من خلال شبكة العلاقات القائمة
وفي ذلك إنذار بتحول الصراع ،واتساع رقعته بين شخصيات الرواية ،وما يتفاعل في نفوسها
الجغرافية والسياسية .تتكرس الوراثة السياسية، من صراعات ،خضعت لتأثيرات العالم الخارجي،
ويصنع المواطن بنفسه الزعيم ،ويكرسه بالعودة وبرز في ذاكرة الشخصيات المنفتحة ،على الماضي،
إليه دائ ًما لحل أزماته ،ويصنع الزعيم تاب َعه والمتصلة باللحظة الآنية ،ليكون هذا الانفتاح وثيق
بخلق حاجته المستديمة إليه .يجيد الروائي رسم الصلة بالتحولات التي أصابت تلك الشخصيات في
الشخصيات وصراعاتها وتحولاتها من خارج، قناعاتها وفي منطلقاتها .وقد كشفت ردود أفعال
لكن أحادية الرؤية السردية ذات المعرفة المطلقة، مختلفة عن توجهات قيمية لدى بعض الشخصيات،
والصوت المتفرد كلها سمات دلت على مبتغى فمنها من اتخذ مسا ًرا مغاي ًرا لاقتناعه ،ومن هذه
الراوي التوجيهي لعملية القراءة ،لأنه يوجه المتلقي الشخصيات من رفض الاشتباك مع العامل واكتفى
(المروي له) ليشاركه رؤيته إياها ،ومن خلالها
بالانزواء الداخلي ،ومنها من ظل يؤمن بصحة
يدفعه إلى مشاركته لأبعادها ،أما في الرؤية السردية خياراته في الحياة ،فقرر الثبات عليها.
المتعددة الأصوات فستتعدد القراءات وتتولد دلالات
متعددة ،وبذلك يكون الدويهي قد حرم شخصياته لذلك يمكن للباحث في بناء شخصيات رواية «حي
فرصتها بالتعبير عن تطلعاتها ،وحرم المتلقي متعة الأميركان» وعلاقاتها ،وتحول هذه العلاقات
الخلوص إلى كون الرواية تعكس حركة الحياة
التحليل والاستنتاج.
تقدم الرواية واق ًعا اجتماعيًّا وسياسيًّا محكو ًما في تشعبها وتشابكها وتقابلها في مدينة طرابلس،
خلال مرحلة زمنية مهمة ،وهي تظهر حركة
بالطبقية ،والظلم ،وتوليد الإحباط ،وتشجيع
الثراء غير المشروع ،واستنهاض الديني المتطرف، التقاطب القائمة بين الفقراء والأغنياء ،أحد وجوه
وتخييب أهل العلم ،وكلها معوقات للتقدم الحقيقي، الصراع فيها.
وتحريض للمواطن على التمرد والخروج ،وإن كان
الخروج في هذه الرواية قد صار هدا ًما مميتًا ،كما كما ترصد هذه الحركة في مدينة باريس من
كان حال كل الثورات التي عرفتها منطقتنا العربية. خلال أجوائها المتحررة ،وبعض المناحي الثقافية
ويستخدم الروائي شخصيات تاريخية ذات دلالة
فيها .فيتعدد العامل الذات الساعي إلى تحقيق
(جمال عبد الناصر -أم كلثوم) فتكشف عن رغبته ،ويمثل هؤلاء بعض طبقات المجتمع :الرجل
التوجه العربي /القومي الذي كان للمدينة ساب ًقا
(غريغوري بيك -جينا برييجدا) يكشفان عن انفتاح الثري ،الشاب المتمرد ،المرأة /الزوجة ،المرأة/
العاملة ،المثقف ،الفقير المهمل ،رجل الدين المضلل،
المدينة وتطلعاتها الثقافية المتقدمة بالتقابل مع السياسي /الوطني ،السياسي /المتسلق ،الوطني/
الحاضر الذي اتجه نحو الانغلاق. القومي ،رجل الشرطة ،الفنانة /الراقصة ..ووجود
أكثر من عامل ذات يستدعي من يساعده ،أو من
كذلك تفضح الرواية اختلاف طبيعة السياسي يناوئه يعد سعيًا من قبل الكاتب إلى مماثلة الحياة
المهيمن ،ففي الماضي كان وطنيًّا يشارك في القضايا
النضالية ويقوم بخدمة الناس ،مصطفى العزام # في سيرورتها ،وفي انفتاح أحداثها وتقلبها ،إلا
أن الناظم الخارجي في «حي الأميركان» يتحكم
رياض العزام المح َدث الذي يسعى إلى السياسي بمسار السرد فيحرم الرواية فرصتها بالتجريب،
يستخدمه مطي ًة لنوال السلطة والنفوذ. ويفسد عليها نماءها .يتعدد ممثلو العامل الموضوع،
وممثلو العامل الذات وتتحول الرغبات لتتبلور في